مرت على العالم سنة ونصف السنة كانت صعبة بجميع المقاييس، حالة من الخوف رافقت انتشار فيروس كورونا، سواء الخوف من الفيروس نفسه أو الخوف من تأثيراتها، وكان أفضل الحلول الإمساك بالعصا من الوسط، وهذا ما فعلته دولتنا ومؤسساتنا لمعالجة الآثار الناجمة عن هذه الجائحة، ولكن البعض وجد أن التنازلات التي قدمتها المؤسسات الخاصة وبعض المؤسسات شبه الحكومية لم تكن غير كافية في ظل جائحة تؤثر على ملايين البشر، ومستوى معيشتهم غير مرتبط بالقرارات الحكومية فقط، بل يحتاج في بعض الأحيان لتنازلات من مؤسسات تجارية أو مؤسسات شبه حكومية أو حتى من القطاع الخاص. خلال الجائحة شاهدنا بعض الممارسات التي كان من شأنها الإضرار بأداء اقتصادنا، بعد أن أصر بعض المؤسسات (وهي في غالبيتها خاصة وشبه حكومية) على عدم تقديم أية تنازلات في سبيل التماشي مع الظروف الراهنة. ولن نتحدث عن الماضي ما دام أن المستقبل هو هدفنا وطريقنا ونهجنا، سيما وأننا في دولة هامتها السماء وطموحها لا يعرف المستحيل، ولكن ماذا نفعل مع بعض أصحاب القرار في بعض المؤسسات شبه الحكومية أو القطاع الخاص، أرادوا المستحيل أن يكون واقعاً فصعّبوا الأمور على المواطنين والمقيمين والمستثمرين وحتى الزوار والضيوف، أليس من حقنا أن نخضع الجميع لمبادئ دولتنا ونهجها. حكومتنا مشكورة أطلقت العديد من المبادرات لاحتواء أسوأ أزمة في تاريخنا الحديث، ونجحت في ذلك والأرقام خير دليل. ولكن، مع كل هذا، وجدنا محلات وشركات تقفل أبوابها وتسرّح موظفيها، وجدنا شركات تضغط على المستأجرين المتعثرين في حين أن العقارات المملوكة لبعض المؤسسات الحكومية قدّمت العديد من التنازلات لم نجدها من القطاع الخاص، وإن وجدت فقد كانت مبادرات فردية مشكورة، ولكن لم يكن تأثيرها بالحجم المطلوب. في الاقتصادات الحديثة لم يعد كثرة السكان مشكلة، بل بالعكس كلما زاد حجم السكان بات الاقتصاد أقوى، خصوصاً وأننا نعيش في عالم يتوفر فيه كل شيء، ولهذا يجب أن نكسب كل شخص قادر على تقديم ما هو مفيد لدولتنا واقتصادنا، لذلك فإن إقفال المشاريع والمحلات أكبر خسارة لاقتصاد دولتنا، والتي إن عدنا لأسبابها سنجدها بسبب تعنّت شخص وعدم قبوله تقديم أي تنازلات. وفي استمرار هذه الحالات، كأننا نقول للاستثمار (باي باي) الله معاك، في حين أننا نعلم أن كل استثمار مهما كان حجمه له وزن في الاقتصاد، وكل فرد مستهلك هو جزء من اقتصادنا مهما تغافلنا عن هذا الأمر. لذلك وجب إيجاد آلية قانونية للتعامل فيها وقت الأزمات والكوارث، آلية قانونية تكون فيها الدولة قادرة على تحريك جميع أحجار الشطرنج لحماية اقتصادنا الوطني والمحافظة على مكاسبه، وهذه الآلية تمكّن الدولة من السيطرة على الأسواق وإلزام البعض بتقديم تنازلات وتسويات لها فوائد على المدى الطويل، وألا يبقى الأمر مجرد مبادرات حكومية لا تتجاوب معها بعض القطاعات أو يتم الالتفاف حولها من قبل البعض، والخاسر الأكبر اقتصاد مقامه حجر فوق حجر لبناء هذا الجدار الكبير التي يحمينا من مخاطر الأزمات بمختلف أنواعها وأشكالها. القانون والأنظمة هما الحل الوحيد للسيطرة على جميع المتغيّرات، وإن وجد القانون الحاكم والملزم للجميع سيكون الحل أقرب للواقع، ومن حق الدولة أن تمسك العصا من الوسط وتكون هي المسيّر النهائي للمصلحة الوطنية مهما احتاجت من تنازلات تجد فيها فائدة مستقبلاً، وأزمة كورونا درسٌ، ومهما نجحنا في التعامل معها إلا أننا يجب أن نستعد أكثر لمستقبل لن يكون سهلاً أبداً، خصوصاً وأن العالم بات في تنافس كبير تجارياً واقتصادياً، ومن يتخاذل لحظة أو يتغافل عن مشكلة تواجه اقتصاده سيكون لها تأثير كبير، وسيجد بأن هناك من ينتظر الفرصة لاستغلالها لسرقة إنجازاتك، وهذا الأمر سنجده يتكرر هنا وهناك في هذا العالم، ولذا وجب علينا معالجة جميع الأمور للمحافظة على مستقبل مزدهر لاقتصادنا. التنازلات مطلوبة من الجميع، ولن نستطيع السيطرة على أي مستجد أو ظرف طارئ إلا إن أوجدنا آلية قانونية للتعامل معها، وتوحيد الرؤى لنمضي في سفينة اقتصادنا نحو بر الأمان، هذا هو طموحنا وهذه هي غايتنا وهذا هو مقصدنا ومبتغانا.