لن أتكلم عن حيوان لم يحافظ على سلالته، ولم يستطع مواجهة التحديات البيئية أو الحياة الفطرية في عالم وقانون الغاب، فبات مهدداً بالانقراض، بل سأتكلم عن اللبنة الأولى للمجتمع.. عن «الأسرة» التي باتت مهددة بالانقراض، في ظل عدم قدرتها على مواجهة المتغيرات الاجتماعية من حولها، فتقلص دورها، وبهتت مكانتها، وانعدم في كثير من الأحيان تأثيرها، وبالفعل في الكثير من الأحيان ما عادت تستطيع مواجهة قوانين العصر وطبيعته، التي مزقتها الأحداث والحوادث من حولها، وجعلتها أمراً ثانوياً قد يكون غير ذي تأثير خلال الفترة المقبلة. لا استغراب ولا استهجان لهذا الطرح، وهذه المقارنة، لأنها قد صادفت الحقيقة، وفيها جانب كبير من الصواب، فالأسر على وشك الانقراض فعلاً، فبعد أن انقرضت العائلات الممتدة، وبات كل شخص يعيش بمفرده بعيداً عن أسرته الكبيرة، وبعد أن تقلص دور الجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة، ها نحن على أعتاب أن يتقلص دور الأم والأب، إن لم يكن قد تقلص فعلاً، خصوصاً إن نظرنا إلى الأمور من زاوية صعود الجيل الجديد المحمل بأفكار الاستقلالية والتفرد بالرأي، وينظر دائماً إلى نفسه على أنه من زمن الانفتاح، وأن مهاراته تمكنه من المطالبة بتلك الاستقلالية، بعيداً عن أسرته وما يحكمها من ضوابط وروابط. قد يقول قائل، وهو على حق، بأنك قد «تبالغ»، وأرد وأقول: لِمَ لا أبالغ، ومن حقي المبالغة في هذه القضية، خصوصاً ونحن أمام انقراض أهم مكوناتنا الاجتماعية، التي بقيت لسنوات الدرع الحامي لمجتمعاتنا وأجيالنا، وهي التي خرّجت وأخرجت لنا أجيالاً صنعوا إنجازاتنا ومكانتنا وأخلاقنا، واليوم يضرب بها عرض الحائط، ويريدون لها التهتك والتفكك والانحلال؟ لِمَ لا أبالغ ونحن نشاهد موجات عنيفة تضرب جذورها، وتكسر أغصانها، وتهتك أوصالها، وتفكك نسيجها، وتستبيح ثمارها؟ لِمَ لا أبالغ وقد بتنا أمام بيوت أصبحت فنادق للمنام فقط، وأسر تتجمع فقط في دفتر العائلة؟ أسرنا ستنقرض، ولا تسألوني: ما الحل؟ فالحل ليس عندي هذه المرة، فسرعة الانقراض أسرع من أي حل، فخلال سنوات قليلة انقرضت العائلة الممتدة، وخلال سنوات قليلة سنجد أنفسنا أمام أسر لا تحسب لمكوناتها أي حساب، وستعلو فيها الأنا والمصلحة الشخصية، وستطفو على سطحها مشكلات كثيرة، ستغير من شكل مجتمعاتنا، وسيتغير بأثرها وازعنا الديني والأخلاقي والإنساني، وقريباً سنصبح زواراً في بيوتنا، وأغراباً عن إخواننا، ولا أتكلم هنا عن نفسي أو عن بني جيلي، فهؤلاء مازال الود بينهم إلى حد ما، ولكن تفكك الأجيال القادمة سيكون أكبر وأكثر قساوة على واقع مجتمعاتنا، فلنلتفت لهذه المشكلة، ونعالجها بكل السبل المتاحة، من خلال منابر المساجد ومنصات الإعلام المتنوعة، قبل أن تنقرض أسرنا ولا نستطيع من بعدها أن نعيد إحياءها. «الأسرة» باتت مهددة بالانقراض في ظل عدم قدرتها على مواجهة المتغيرات الاجتماعية من حولها.