قبل أيام قليلة شاهدت موقفاً أثر بي كثيراً، شاهدت رجلاً كبيراً في السن في أحد المعارض، وبالمصادفة وجدته يطلب من أحد العارضين قلماً أو دفتراً من التي توزع كهدايا لزوار الفعالية كان يريدها لابنه، ورغم أن هذا الرجل كان صاحب شركة كبيرة في يوم ما وكان هو من يوزع الهدايا ويجامل الناس يميناً ويساراً، ولكن لأن الزمن دوار فقد دار عليه الزمان إلى أن وصل لهذه الحالة، وكان يبدو عليه الانهزام والامتعاض من وضعه ولسان حاله يقول «ما باليد حيلة». أصعب شعور قد تشعر به بحياتك أن تشعر بأنه لا حول لك ولا قوة أمام ظروف الحياة ومتغيراتها، خصوصاً عندما يتقدم بك العمر وتصبح قدراتك وإمكاناتك الصحية والنفسية وأيضاً العملية محدودة، حينها فعلاً سيكون من الصعب عليك أن تشد من عزيمتك وتنهض من جديد إذا ما وقعت أو حصلت لك مشكلة أطاحت بك أرضاً. منذ فترة طويلة وهذه الفكرة تدور في رأسي، خصوصاً أنني أشاهد أناساً كثراً لا يحسبون حساب هذه المرحلة من العمر ولا يستعدون لها جيداً، وتخيل معي حال ذلك الرجل الذي غدر به الزمان وبعد أن كان ميسور الحال يقضي حوائج أيامه بحمد الله ويسره، حتى أتى اليوم الذي جلس فيه بالبيت وأصبح غير قادر على العمل لظروف ما أو لوصوله سن التقاعد، ويا لتلك المصيبة إن كان غير مؤمّن براتب تقاعدي أو لم يدخر من أموال لتعينه على هذه المرحلة، فحينها سيصبح منتظراً للرحيل ويعجل في طلبه وتمنيه. أناس كثر من حولنا يدور بهم الزمان، وهذا أمر لا يمكن أن نتحكم فيه بشكل كامل، فمهما كان استعدادنا له إلّا أن مشيئة الله وحكمته ستأخذ مجراها لا محالة، وأنا أؤمن كل الإيمان بهذا، ولكن هناك أشياء كثيرة يمكن أن نفعلها في حياتنا، خصوصاً ونحن لدينا القوة والقدرة لكيلا يهيننا العمر ونصبح أذلة لمحدودية قدراتنا. في الحقيقة كثر من هم بهذه الحالة الصعبة في مختلف المستويات والدرجات، فهناك من عمل جاهداً طوال حياته لتأتي العاصفة وتهد كل ما بناه، وهناك من ذاق أوضاعاً صعبة من حروب ومشكلات في وطنه جعلته يصل لتلك الحالة، وهناك من كان يعيش حياته يوماً بيوم دون أن يضع في حسبانه ضريبة العمر فلم يحسب ولم يخطط لهذه المرحلة العمرية، وهناك من قال لنفسه غداً أولادي سيكبرون وكما ربيتهم وعلمتهم سيقفون بجانبي، ولكن سرعان ما اكتشف أن أمثالنا الشعبية لم تترك شيئاً إلا وقالته، ويذكر حينها المثل القائل «ما حك جلدك مثل ظفرك»، فحتى الأولاد سينشغلون وسيصارعون الحياة، ومنهم من سيتخاذل عن الوقوف بظهر أبيه في مثل هذه الظروف، فلهذا احذروا غدر الزمان. لأننا نصادف أشخاصاً كثراً في حياتنا وأصبحنا منفتحين على أسرار بعضنا بعضاً، فبات من السهل أن نعرف ونتعرف على تجارب الآخرين من حولنا، ونعرف فلاناً وما حصل معه من قصص، وفلاناً أين كانت الضربة القاضية بالنسبة له، ونعرف فلاناً وما هي حكايته وكيف نجح في هذا وذاك، ولنأخذ كل هذه التجارب كعبرة نستلهم منها طريقاً يناسبنا، وطريقاً يجعلنا نستعد جيداً لوقت قد تخوننا فيه الأبدان والأذهان ورفقة العمر وحتى الأبناء، خصوصاً أن المذلة صعبة جداً في مثل هذا العمر والانكسار الداخلي سيكون عميقاً في وقتها، فاحذروه واعملوا للنجاة منه إن كتب الله عليكم ذلك.