في قانون العرض والطلب؛ كلما زاد السعر قل الطلب، ولكن في الاقتصاد الأسري المعادلة مختلفة، فكلما زاد السعر زاد الطلب! ذلك لأننا اليوم نعيش في حياة المفاخرة والتقليد والبرستيج والمحافظة على المستوى الاجتماعي، وكلما قارنّا أنفسنا بمن حولنا، رغبنا في التميز بممتلكات أغلى وذات سعرٍ مرتفع، ولهذا أقول بأنه في قانون اقتصاد الأسرة؛ كلما زاد سعر الحاجة أو الغرض، زاد طلب أولادك وزوجتك أو حتى أنت نفسك لها كي تتميز وسط مجتمعك وتشعر بأنك على المستوى نفسه مع زملائك ورفقائك. في ظل الأزمات المتلاحقة وارتفاع تكاليف المعيشة التي يعاصرها الكثيرون حالياً، والتي أثرت في اقتصاد الأسرة بشكلٍ كبير، صحيح أننا في دولة الإمارات لم نتأثر بالشكل نفسه مثل الدول الأخرى، وهذا يرجع إلى السياسات الاقتصادية الموضوعة من قبل حكومتنا العظيمة والتي تتماشى مع التداعيات المحتمل مواجهتها بسبب الأزمات، ولكن ذلك لا يعني أننا بعيدين كأسر عن تلك التداعيات، وعلينا أن ندرك ونتعلم كيف ندير اقتصادنا الأسري بشكلٍ يضمن سلامنا واستقرارنا المادي لنا ولأولادنا. من وجهة نظري، أن الإنسان مثل الأسرة أو الشركات والدول، الجميع يخضع للقانون ذاته؛ سنين خير وسنين عجاف، وفي سنين الخير علينا أن نتعلم كيف ندير ثرواتنا؛ وأن نخصص جزءاً منها لمواجهة الأزمات واستثمارها لمصلحتنا أو على الأقل نتخطى هفواتها وسقطاتها، وعليه يجب علينا مهما كان حالنا ودخلنا أن نخصص جزءاً من ذلك الدخل للادخار أو الاستثمار، وأن نتعلم كيف ننفق وأين ننفق، وأنا هنا لا أقصد أن نجعل أيدينا مغلولة لأعناقنا فمن حقنا التمتع بأموال نجنيها، ولكن بالمعقول وأن نضع شكلاً من أشكال الإدارة لأموالنا لنعرف من أين دخلت وأين صُرِفَت، ولا مانع إن كتبنا ودوّنا وحسبنا كما لو كنا في شركة، فالأسرة شركة طويلة الأجل وضمان استقرارها المادي له تأثيرات إيجابية في الكثير من قرارات حياتنا. ليس من الخطأ أبداً أن نعلم أولادنا قيمة المال وكيفية إدارة اقتصادهم الشخصي من صغر سنهم، حتى وإن أردنا تدليلهم وشراء أغلى وأحدث المقتنيات لهم، ولكن علينا أن نُدخِلهم في دائرة حساباتنا المالية، وأن نُعلّمهم كم الجهد المبذول لجني تلك الأموال كي لا يعتادوا على البذخ والصرف دون إدراك أو حساب، وحقيقةً أنا استغرب ممن يخجلون أن يصارحوا أولادهم أو أسرهم بمشاكلهم أو عثراتهم المادية، ويحاولون تلبية طلباتهم بمبدأ «تلبيس الطواقي» يأخذ من هذا ويعطي ذاك وهكذا، حتى يجد نفسه في دوامة من الديون لا يستطيع الخروج منها، لذلك من الأسلم أن نجعل تجربتنا المادية كتاباً مفتوحاً أمام أسرنا، حتى وإن كان فيها أخطاء فلتكن درساً لهم ولمستقبلهم. أيضاً من الأمور الواجب الأخذ بها في اقتصادنا الأسري مسألة تحديد الأولويات، وربما من الصعب علينا في هذا الزمان تنفيذ هذا الأمر، فلم تعد حاجياتنا احتياجات عادية بل أصبحت من الضروريات، والتحدث بمثالية في هذا الجانب لن يجدي نفعاً، ولكن من الخطأ أن ننساق وراء ما يستحدث في عالمنا على حساب استقرارنا المادي، أو أن ننجر وراء عادات قد تجلب لنا السعادة اللحظية مقابل تعاسة لشهور أو سنين، فحالتنا المادية مهمة جداً في تكوين شخصياتنا كما أنها تؤثر بشكلٍ مباشر في أمزجتنا وقدرتنا على مواجهة الظروف المتغيرة. وعليه، فإنها لفائدة كبيرة لنا حقاً أن نتعامل مع اقتصادنا الأسري في زمننا الحالي كما لو أننا ندير أكبر شركة في العالم، نقوم بحساب جميع الحسابات ووضع كل الخطط اللازمة لضمان مستقبل أفضل لنا ولأولادنا، كما يجب علينا تخمين كل المتغيرات ووضعها نُصب أعيننا للمحافظة على استقرار أسرنا المادي، ولنا في هذه الأزمات عبرة ودروس.