ربّما يغيب عن الكثير منا أمرٌ مهم ونحن نربّي ونعلّم أبناءنا، ألا وهو الثقافة المالية؛ وأقصد كل ما يتعلق بالمال وكيفية إدارة هذا الجزء المهم في حياتنا، ولذلك ما إن ينفصل شبابنا عن والديهم مالياً حتى تجد العديد منهم، ولا أبالغ إن قلت معظمهم، يسيء إدارة المال، ولا أقصد هنا إدارة الثروات فهذا موضوع آخر، ولكن ما أقصده أنه حتى الراتب الذي يتقاضاه لا يحسن التصرف فيه، وسرعان ما تجده قد ورّط نفسه في قرض أو بدأ ببعثرة أمواله دون فائدة، وبعدها بفترةٍ قصيرة يعود لكنف العائلة لتدعمه وتحسن من وضعه أو حتى لتنقذه من ديون وقروض لم يعد باستطاعته سدادها، وهذه الحالة تكاد تتكرر في كل عائلة وداخل كل أسرة إلا من رحم ربي. الأمر الآخر الذي أجده أيضاً يؤثر بشكل كبير على الاستقرار المالي لشبابنا هو تكاليف الزواج والبهرجة الكاذبة التي ينقاد لها الكثير، سواء كان قادراً عليها أو حتى إن كان من أولئك الذين يخافون على «برستيجهم» أو منظرهم أمام المجتمع والربع، فتجده يقيم حفلاً أسطورياً ويسافر شهر العسل لأغلى الوجهات، هذا بخلاف الهدايا الثمينة والساعات وأطقم الألماس التي باتت شرطاً ولزاماً أن يقدمه الزوج لمخطوبته ووالدتها وغيرهما، كل هذا وغيره الكثير يجعل الزوجين يدخلان عش الزوجية وهما مثقلان بديونٍ ستفقدهم الكثير من المتعة في مشوارهم المقبل. حقيقة يجب أن نفنّدها أننا لم نُحسن تعليم أولادنا الثقافة المالية، وما أحوجنا لها في هذه الأيام، خصوصاً أن شبابنا بات يتلمس بعض المعاناة في كيفية تسيير حياتهم في ظل تغييرات كثيرة من النمط المعيشي ومستوى الدخل وارتفاع تكاليف الحياة، والجميع يتوقع أنه ستزيد حدة الصعوبات في الأيام القادمة، ومن الضروري أن نُعيد التفكير في كيفية ضبط الأمور وضبط حجم الإنفاق العائلي، وتعزيز مفهوم الاستثمار لدى أجيالنا، خصوصاً في المجالات المستقبلية. الثقافة المالية يمكن أن نؤسس لها في جميع المراحل العمرية، ولا تقولوا غداً سيكبر الأبناء ويفهمون لوحدهم، أبداً.. بل لابد من تعليمهم قيمة المال والصعوبات التي تواجهنا للحصول عليه، وعلينا أيضاً إفهامهم طبيعة علاقتنا به، خصوصاً أن هناك من يروجون للثراء ويستغفلون شبابنا بأكاذيبهم، وهو ما وضّحت في مقال سابق، ولذا من الأجدر أن ندخل مفاهيم الثقافة المالية بطريقة مقصودة وممنهجة، لتتعود أجيالنا على كيفية إدارة حياتهم المالية المستقبلية، ولا مانع إن كان هناك مشروع وطني تعليمي تربوي تتبناه مؤسساتنا الوطنية كمجالس التعليم أو وزارة التنمية المجتمعية، لتعزيز مفاهيم الثقافة المالية في أجيالنا ومجتمعاتنا. من الضروري أن نُعيد التفكير في كيفية ضبط الأمور وضبط حجم الإنفاق العائلي، وتعزيز مفهوم الاستثمار لدى أجيالنا.