كثيراً ما نلبس أدواراً غير أدوارنا في هذه الحياة، أو نعطي أنفسنا حقوقاً ليست من حقوقنا، كأن نحكم على من حولنا أو نصفهم بصفاتٍ معينة، ونكون في تلك الحالات نحن الخصم والحكم على تصرفاتهم وقراراتهم، في حين أنه ليس من حقنا أن نكون كذلك، وليس من مسؤولياتنا أن نقيّم سلوكات الآخرين أو نحكم على قراراتهم بصرف النظر عن طبيعتها وطبيعة علاقتها بنا. في هذا الزمان كثيراً ما نجد الأولاد يقيّمون تصرفات آبائهم أو أمهاتهم، ويعينون أنفسهم مكان القاضي ليحكموا على أهاليهم بسوء التقدير أو الجهل وعدم الإدراك، أو حتى الفشل في بعض القرارات، في حين أنهم عندما يكبرون ويتعرضون للضغوط والمسؤوليات نفسها، ويواجهون مصاعب الحياة ومتاعبها كوالديهم، سيتخذون قرارات سيراها أبناؤهم غير مرضية، وفيها من الفشل الكثير. وهنا أتساءل معكم متى كنا هكذا؟ متى كان للأبناء الحق في تقييد سلوك أب أو أم؟! في حين أنه من حق الآخرين أن يتخذوا قرارات مصيرية تتناسب مع احتياجاتهم وطبيعة متغيرات حياتهم، والسبب في ذلك كله هو أننا ننصّب من أنفسنا مقاماً ليس مقامنا، ونعطي أنفسنا حقاً نحن لسنا أهلاً له، والحديث هنا ليس عن حالةٍ معينة، إنما عن حالات تجد فيها أطفالاً ومراهقين وحتى شباباً يقفون في وجه أهاليهم واصفين إياهم بكل بجاحة بكلمات قاسية في حقهم، غير مدركين أنه لا يحق لهم أن يكونوا هم الخصم، وفي الوقت نفسه الحكم. الأمر لا يقتصر على الأبناء فقط، بل أيضاً على الأزواج ممن يحكمون على تصرفات وقرارات شركاء حياتهم بأقسى الأحكام غير مدركين المآل الذي جعل الشريك يتخذ ذلك القرار، وكذلك الأمر في العمل، خاصةً في علاقتنا مع مديرينا، فكلما اتخذ قراراً يخالف توقعاتنا أو أمانينا نعتناه بالصفات «في سرنا طبعاً»، أو بين أقراننا وزملائنا، بأن قراراته خطأ، وأنه إنسان بلا ضمير ولا إحساس، في حين أن قراراته مهما كانت فقد جاءت من سلطاته وصلاحياته ووجهة نظره كمدير، وليس كموظف. وكذلك الأمر في علاقتنا مع أصدقائنا ومعارفنا في كل موقف وحكاية، نخرج عليهم بقرارٍ نحن فيه الخصم والحكم، فننعتهم بالتسرع والهوجاء أحياناً، وبأقل تقدير بأنهم لا يجيدون التصرف، ولو كنا مكانهم لفعلنا هذا وذاك، أو نصفهم بأشياء ليست فيهم، بسبب موقفٍ معين حدث معهم، في حين أنه إذا كنا في مكانهم لربما تصرفنا تصرفهم نفسه أو أسوأ منهم، ولكن طبع الحَكَم قابع في دواخلنا والحُكم جاهز على رؤوس ألسنتنا. نحن اعتدنا للأسف هذا الأمر في حياتنا ككل، نحاول جاهدين ألا نحسن الظن بالغير، حتى لو كان أقرب الناس لنا، حتى لو كان أباً أو أماً سهرا الليالي على تربيتنا، حتى لو كان صديقاً كان معنا وقت الضيق أخاً قبل أن يكون صديقاً، ولكن لأننا نحب أن تأتي الأمور على هوانا، ولا نريد لأي شيء أن يتعارض مع مصالحنا، فنبدأ بتوجيه الأحكام والصفات على كل من حولنا، وندعي جزافاً بأننا الحق، وليس للحق وجه غيرنا. في الحياة لا تكن الخصم والحكم، إذا أدركت هذا جيداً فسترتاح كثيراً، تقبل الأمور كما هي، وحاول أن تضع نفسك مكان الآخرين، وتقيّم قراراتهم بناءً على وجهات نظرهم هم، وليس على نظرتك أنت، مهما كان من يقف أمامك إن كان أعز شخص على قلبك أو أقبحهم وأعداهم، تعامل بالطريقة نفسها فستجد الراحة في ردود أفعالك وعلاقاتك مع من حولك، نصيحة لك تفيدك حتى لو «عقيت» نصها في البحر.