أصادف الكثير من الأشخاص في حياتي الذين دائماً ما يوجّهون لي سؤالاً يكاد يتكرر في كل مناسبة أو لقاء؛ من أين تأتي بالوقت لتقوم بكل ذلك من متابعة أعمالك المهنية والكتابة في الصحافة، وتقديم البرامج التلفزيونية والإذاعية، والمشاركة في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من الأنشطة الاعتيادية أو الشخصية؟ وعلى الرغم من أنني لا أعتبر ممن يتحملون مسؤوليات كثيرة مقارنة ببعض المسؤولين أو القيادة العليا التي تجدها كتلة من النشاط في ملاحقة ومتابعة الأعمال ممن يَصِلون الليلَ بالنهارِ متفانين في عملهم تجاه الوطن والمواطنين، إلا أن السؤال يبقى مطروحاً؛ من أين تأتي بالوقت؟! وكيف تجده في عالمٍ متسارع؟! القطار فيه أصبح كهربائياً يسابق الريح، وهو ما ينسجم تماماً مع مثلنا العربي الشهير «الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك». في أحيانٍ كثيرة تجدنا نتحجج بأن الوقت لم يسعفنا للقيام بشيءٍ ما، ولطالما نقول لأنفسنا أو لمن حولنا بأنه لا يوجد لدينا وقت إن أردنا التهّرُب من عمل شيء أو تنفيذ خطة بسيطة، وتمر الساعات والأيام والشهور والسنوات ونحن في الدائرة نفسها، نلوم وقتنا على قصره وضيقه ولا نلوم أنفسنا المتخاذلة أو المتراخية في ملاحقة أحلامنا وأهدافنا، أو إدارتنا السيئة في تنظيم هذا العنصر المهم الذي تقوم عليه جميع أمور حياتنا، حيث إن هناك فناً لإدارة الوقت وطرقاً لاستغلاله بشكلٍ صحيح، وأنا هنا لا أتحدث معكم من باب التنظير، بل أريد أن نصل معاً إلى قناعة واحدة وهي أن الوقت طويل إذا ما أردنا استغلاله والإحساس بحجمه الحقيقي، وقصير جداً إن لم نركز في كيفية تنظيمه على أفضل وجه. صحيحٌ أننا في عصر التكنولوجيا والحياة تسير بوتيرة سريعة للغاية، إلا أن الأدوات التي بين أيدينا أيضاً متطورة جداً وتساعدنا على فعل الكثير، فمثلاً لدينا وسائل اتصال نستطيع من خلالها القيام بالعديد من المراسلات مع أناس من شرق الأرض ومغربها خلال دقائق، ونستطيع السفر والتواجد في أي مكان بلمح البصر، كما نستطيع أن نبحث عن معلوماتٍ في بطون التاريخ بكبسة زرٍ واحدةٍ، وهذا كله يجعل بين أيدينا القدرة على ملاحقة أعمالنا بالسرعة ذاتها التي تمضي بها أيامنا. في الحقيقة نحن نخترع حجة ضيق الوقت كي نتهرب من فعل لا نتقنه، أو ليس لدينا «خُلق» أو رغبة للقيام به سواءً كان متعباً لأجسادنا أو مشاعرنا أو حتى عقولنا، فمثلاً قد أخصص الكثير من الوقت للقيام بعملٍ معين، لكن لو طلب مني أحد الأصدقاء أن أصاحبه لممارسة رياضة المشي أو الركض، سوف أقول له بكل تأكيد أنه ليس لدي وقت وذلك فقط للتهرب منه، ولذلك كل من يعرفني قد لاحظ زيادة وزني في الآونة الأخيرة، بينما أجد أن لدي الكثير من الوقت لمشاهدة برنامجٍ أو فيلم معين أو قراءة كتاب أو كتابة مقال، وعلى نحوٍ آخر سوف تجد شخصاً مستعداً لقضاء ساعات لممارسة الرياضة، لكنه ليس لديه وقت كافٍ كي يقرأ كتاباً أو يتابع نشرة إخبارية، وهكذا نحن البشر ما نجده سهلاً وقريباً منا نوفر له الوقت، فالموضوع نفسه أيضاً ينطبق على علاقاتنا بمن حولنا، فمن نحبه ونرغب في لقائه سنجد له الوقت، ومن لا نطيق الحديث معه أو رؤيته، سنقول له بأنه ليس لدينا وقت وأن مشاغل الحياة تعيق لقاءنا. باختصار، الوقت لا علاقة له بأفعالنا أو تقصيرنا ولا يتحكم في حياتنا، فالوقت كافٍ لنقوم بكل ما لدينا من أعمال، ولكن يبقى الأمر مرهوناً برغبتنا وهمتنا على القيام بالشيء من عدمه، وفي النهاية احذروا من أن يسرقكم الوقت ولا تقتنصوا منه لحظات تسعدكم وتبني نجاحكم وتقدمكم، فلا أكثر من الوقت عندما يتم إهداره، ولا أقل منه عندما نكون في أشد الحاجة إليه، فلا تجعلوا الوقت حجتكم لأنه بريءٌ منكم براءة الذئب من دم ابن يعقوب.