ما زال الشرق الأوسط مهماً؛ هذا أهم ما أود أن أبدأ به مقالي اليوم. لو لم يكن مهماً لما شاهدنا كل هذا الاهتمام العالمي بهذه الرقعة من الأرض؛ اهتمام بصراعاتها وبإنجازاتها، بدولها وعلاقاتها بعضها ببعض، اهتمام بثرواتها ونتائجها الاقتصادية، وأخيراً والأكثر اهتماماً؛ هو الاهتمام بسياسات دولها وتطلعاتها المستقبلية. الشرق الأوسط باعتباره أسخن منطقة على وجه الأرض، ولا أقصد سخونة الحرارة، رغم وجود الكثير من دول الشرق الأوسط على مقربة من خط الاستواء، إلا أنني أقصد سخونة الأحداث والمتغيرات في هذه البقعة من الأرض، والتي جعلت منها منطقة ساخنة للأخبار، ساحة للحرب وساحة للتنازع بلا شك، وفرصة لاستعراض القوى والصراع على من يحكم هذا العالم. الشرق الأوسط كان في الكثير من المرات في دائرة المناورات الحزبية لكسب التأييد الداخلي في أكثر من دولة؛ مرة في تل أبيب، ومرات كثيرة في واشنطن، وربما نشاهد هذا الأمر في موسكو أو في بكين في قادم السنوات، خصوصاً وأن هناك لعبة لسد الفجوات أو الفراغات أو الثغرات، اختار ما شئت منها فلكل مقصده، ولكل طريقته، ولكل هدفه في هذه اللعبة، فأين نحن أصحاب هذه المنطقة من هذه اللعبة؟ ومن هذا التخطيط ومن هذه التحركات؟. يتفق المراقبون والعديد من دول العالم، على أن هناك تراجعاً لدور أمريكا في المنطقة، وأن هناك سياسات مختلفة لواشنطن في الشرق الأوسط، وأرى أن هذه التغييرات لم تكن قراراً أمريكياً خالصاً، بل إن هناك تغيرات في نظرة الشرق الأوسط لأمريكا ودورها وحجم نفوذها وتأثيرها وسيطرتها السياسية والاقتصادية، فلقد جرب الشرق الأوسط واشنطن في إدارة الكثير من الملفات، ولم تأتِ بثمارها المطلوبة، فقد تم تجريبهم في إنهاء الصراع في سوريا واليمن وليبيا، كما تم تجريبهم في حل الأزمات الداخلية إبان الربيع العربي، فلم يكن منهم إلا أن صعّبوا المهمة على شعوبنا، وجعلوا الخراب والدمار سيرة ومسيرة في بعض دولنا، ومن هذا المنطلق أقولها بكل ثقة، إن التغييرات ليست أمريكية خالصة، بل أيضاً ردة فعل لدولنا ولشعوبنا تجاه أمريكا، أو لنقول تجاه التجربة الأمريكية في منطقتنا. خلال الأسبوع الماضي، زار وزير الخارجية الصيني دولاً عدة في الشرق الأوسط، في زيارات مكوكية، حيث زارها خلال وقت قصير، وهذه الزيارات لم تأتِ لبحث أواصر الترابط بقدر ما هي لسد الفراغات الأمريكية في المنطقة، فالصين تريد أن يكون لها علاقات جيدة بدول المنطقة، باعتبار أن لها مصالح اقتصادية كبيرة فيها، وأيضاً لكون منطقتنا – كما قلت في بداية المقال – «مهمة» استراتيجياً في دفع مواقف أي دولة في العالم، والصين تدخل إلى المنطقة بحساباتها المعقدة لتضمها ضمن مبادراتها الجديدة، في خلق عالم متزن، يقوده أكثر من قطب لتحقيق التوازن العالمي. قبل سنوات، أكدت في مقالات عدة، أننا يجب أن نصنع هيبة لدولنا، وأن نوجد الكيان الإقليمي القوي القادر على سد الفراغات، مهما كان حجمها ومدى حجم تقاربها أو تباعدها، وما زلت مصراً على رأيي، في أننا يجب أن نأخذ بزمام الأمور لنخطو هذه الخطوة لتكون دافعاً قوياً لنا مستقبلاً، خصوصاً وأننا بتنا نمتلك القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية، التي تمكننا من صناعة القطب الإقليمي الذي يحقق التوازن لمنطقتنا. لعبة ملء الفراغات أو سدها ستبدأ بالاتساع يوماً بعد يوم، وسنجد تأثيرها الذي سيكون مباشراً على شكل علاقات دولنا بدول العالم، وخصوصاً مع الأقطاب العالمية الحالية والصاعدة، وتنازعها على كسب أكبر قدر ممكن في هذه اللعبة، ولهذا أجد أن من أفضل الحلول التي أمامنا هو الاستمرار في اتباع نفس النهج في تقوية بعضنا البعض، خصوصاً في منطقة الخليج العربي، لكي نوجد القوى الإقليمية القادرة على سد الفراغات والدفاع عن مصالحنا ومصالح شعوبنا، ولنجرب حلولاً جديدة لأزمات منطقتنا، وخصوصاً في الدول التي تعاني من أزمات سياسية وأمنية مستمرة منذ سنوات، ولم تستطع القوى العالمية إيجاد الحل المناسب لها، أو أنها لا تريد لذلك سبيلاً، ولذلك علينا أن نقوم نحن بإعادة ملء الفراغات، وأن نتعامل مع هذه اللعبة بحرفية، خصوصاً وأننا في أرضنا وبين جمهورنا، و«أهل مكة أدرى بشعابها».