مسألة الاختصاص في قضايا الأحوال الشخصية باتت في الآونة الأخيرة مثار جدل بين الأزواج والمحامين على حد سواء، بعدما تحولت من مجرد إجراء تنظيمي إلى أداة قد تُستغل أحياناً للكيد أو للضغط، فبدل أن تكون المحكمة المختصة هي الأقرب إلى حياة الزوجين، نجد أن بعض الدعاوى تُرفع إلى جهات أخرى لا علاقة مباشرة لها ببيت الزوجية أو محل الإقامة الفعلي، وإنما استناداً إلى روابط ثانوية، مثل وجود أهل الزوجة، أو نية استئجار مسكن جديد. وهنا يصبح الاختصاص سلاحاً قانونياً، يُستخدم لإرهاق الطرف الآخر، وإلزامه بأحكام قد تكون أشدّ وطأة مما لو نُظرت القضية في محكمة مقر الزوجية.

القانون الاتحادي للأحوال الشخصية حاول أن يضع ضوابط واضحة، فنصّ على أن الأصل في الاختصاص هو مكان المدعى عليه أو محل إقامة الزوجين أو مسكن الزوجية الأخير، لكن التطبيق العملي كشف عن ثغرات، إذ يمكن لأي طرف الادعاء بالإقامة في مكان آخر لجرّ النزاع إلى محاكم بعينها، بهدف الحصول على نفقات أعلى، وهو ما يحوّل الدعوى من وسيلة إنصاف إلى وسيلة ضغط.

لا يمكن إنكار تمكين الزوجة من اختيار محكمة قريبة منها، خصوصاً إذا كانت بعيدة عن بيت الزوجية، أو تعاني ظروفاً معيشية خاصة، لكن ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لاختيار الاختصاص قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

الحل يكمن في إعادة ضبط هذه المسألة، فمن المناسب أن يُجعل مسكن الزوجية الأخير هو المعيار الأول للاختصاص، باعتباره المكان الذي يجسد الحياة المشتركة بين الطرفين، كما أن منح القاضي صلاحية تقديرية لنقل الدعوى متى تبيّن أن اختيار المحكمة تم بدافع الكيد، سيغلق الباب أمام المناورات. ويمكن كذلك إلزام المدعي بتقديم ما يثبت الإقامة الفعلية لا مجرد نية مستقبلية أو أوراق شكلية.

بهذه الضوابط يمكن أن نحمي أطراف النزاع من استغلال الثغرات.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Get Appointment

Feel free to contact us and we will get back to you as soon as possible