قبل أيام شاهدنا حادثة رياضية عنصرية، وأقصد هنا ما تعرّض له لاعب ريال مدريد البرازيلي فينيسيوس جونيور من إساءات بالجملة، أثناء مواجهته لنادي فالنسيا في مباراة بالدوري الإسباني، ما أدى إلى توقف المباراة، وخروج اللاعبين عن طورهم، حيث تلقى جونيور العديد من الشتائم المهينة له ولأهله وعرقه عند الدقيقة 70 من المباراة فقط لأنه أسمر البشرة، ليخرج عن طوره أثناء توقف اللعب، ويرد على أحد المشجعين بالشتم، فقد كان هذا المشجع يقلد القرد، وينادي بأعلى صوت «فيني قرد»، ما جعل اللاعب يستشيط غضباً ليرد الهجوم عليه، وتدخل على الفور زميل فينيسيوس (فاسكيز) ليطلق الشتائم بدوره على هذا المشجع وبقية المشجعين ممن كانوا يهتفون بصوت واحد «الموت لجونيور»، وهو ما جعل أحد اللاعبين من نادي فالنسيا الخصم يدافع عن جماهيره، ثم دخل في شجار مع فينيسيوس ليتلقى جونيور البطاقة الحمراء. هذه الحادثة اعتبرها مأساوية، لما لها من ارتباطات فكرية وأخلاقية وأخرى إنسانية، وللأسف نحن نتحدث عن أكثر الدوريات العالمية متابعة ومشاهدة وشهرة، فكيف لمثل هذه الحوادث أن تتكرر وتحدث بتلك الطريقة البشعة، وكيف لرياضة هدفها العمل على تقارب الشعوب أن تصنع مثل هذه الفوارق والأحداث، وأن تُعبّر عن واحد من أقدم أنواع العنصرية البغضاء التي لطالما قلنا إننا تخطيناها وجعلناها جزءاً من ماض لا نريد تذكره، بل التعلم منه، لكن ما حدث ويحدث بصور متكررة في الملاعب الأوروبية يجعلنا نقول إننا أمام مشكلة حقيقية يجب أن نُفَسّر أسبابها وتأثيراتها، فالعنصرية التي كانت سبباً في معاناة شعوب وأعراق وأجناس وألوان ها هي اليوم بشكل جديد ومعاناة شديدة. كم من لاعب كرة قدم نعرفه قد عانى العنصرية، لدرجة أنه أنهى مسيرته الكروية بسببها، وكم من دموع ذرِفَت من لاعبين مشاهير، بسبب عدم تحملهم الإساءة والشتائم والعنصرية، الأسماء كثيرة، والحوادث عديدة، ونتساءل هنا: أليس من واجب «الفيفا» أن يكون حازماً ومعارضاً لمثل تلك الأحداث؟ أليس من واجبه أن يطلق منصاته وحملاته ليمنع العنصرية بكل أشكالها بدلاً من ترويجه مشروعات وأفكاراً سامة باسم الحرية؟! فأين الحرية والملاعب تعج بكل هذه العنصرية؟! عنصرية شكل ولون لا أكثر، عنصرية استعلاء لا مبرر لها. الحمد لله على نعمة التسامح، جملة دائماً أكررها في نفسي وأمام الجميع إن سنحت الفرصة، كلما رأيت نموذجاً أو فكرةً أو تصرفاً، أقولها وأكررها، فنحن في نعمة تجعلنا نتقبل الآخرين، مهما اختلفنا معهم في الشكل والعرق واللون والجنس والجنسية، هذا هو ما عُمِدَت عليه برامجنا ومبادراتنا الإماراتية للوصول إلى مجتمع متسامح يحترم الآخر، ولا يفرق بين خلق الله جميعاً. التسامح نعمة تمنح الفرص، فرصٌ لنا للتعرف إلى الآخرين، وفرصٌ للآخرين للتعبير عن ذواتهم دون الشعور بالنقص، وتخيلوا معي حجم الإساءة التي قد يشعر بها إنسان عندما يوضَع بمحل ازدراء أو عنصرية، بسبب لونه أو عرقه أو جنسيته أو حتى دينه، إساءةٌ تحطم النفوس وتكسر القلوب، إساءةٌ قد تجعل إنساناً موهوباً يجلس طريح الأرض عاجزاً، وقد تحول إنساناً حليماً إلى ثائر لا يُمَيز بين الصواب والخطأ، فالحمد الله على نعمة التسامح، التي بفضلها تساوى الجميع في الحقوق والواجبات، وأصبحت العنصرية فعلاً كريهاً منبوذاً ومشؤوماً صاحبه، ومن هنا أود أن أؤكد أننا كشعوب عربية وإسلامية من حقنا التفاخر بتسامحنا كدرس نعلمه لأجيالنا، وقد تعلمناه من إرثنا وموروثنا الذي، وإن وُجِدَت فيه العنصرية، كانت فعلاً منبوذاً يجب إيقافه. twitter.com/dryalsharif www.ysalc.ae محامٍ وكاتب إعلامي