كثيراً ما تحدث مواجهات بيننا وبين أولادنا، أو مع بعض الأشخاص في مجتمعنا أحياناً، خاصةً عندما نجد منهم إصراراً على الامتناع عن القيام بشيء صحيح أو التعنت في القيام بأفعالٍ خاطئةٍ بدافع العناد والعصبية، وربما مر الكثيرون منا بهذه الحالة، فمثلاً تطلب من أولادك الاجتهاد في الدراسة، وتجد منهم عدم قبول أو تجدهم يهددون بعدم دراستهم كرد فعل على ما لا يعجبهم، أو طريقة تفاوض يتبعونها للحصول على ما يريدونه. والأمر لا يقتصر على الدراسة فقط، فربما تجدهم يمتنعون عن الأكل أو الشرب أو حتى الخروج في نزهة لنفس الدافع والهدف، وفي النهاية نجد أن من يستخدم مثل هذا الأسلوب لا يضر إلا نفسه، وأن الشخص إذا درس أو اجتهد، ففي ذلك فائدة له ولنفسه بالمقام الأول، والتأثير هنا ليس على الأولاد فحسب، بل على أي شخص حتى أنفسنا. إن أردت شيئاً أو امتنعت عنه فاعلم أن الفائدة أو الضرر عائد عليك أنت وحدك، ولن يشاركك فيه أحد، فعندما تعاند أبويك فعليك أن تعلم أن سنة الحياة تقول إنه لا أحد باقياً لك إلا نفسك، وعليك أن تحسن تربية نفسك وتضبطها وتحثها على التقويم الصحيح والطريق السليم. وبعيداً عن أطفالنا تجد أن بعض الرجال أيضاً يهددون زوجاتهم على الدوام، ويتوعدون بالزواج من أخرى كنوع من أنواع الترهيب، ويستخدمون أسلوب التهديد لنيل بعض حقوقهم، أو حتى لفرض بعض القوانين على بيتهم وأسرتهم، وهناك من الرجال من يستخدمه من دون نية الزواج، فقط من باب «لي الذراع»، في حين أن مسألة الزواج سواء من الأولى أو الثانية أو الثالثة يجب ألا تكون بناءً على ردة فعل الطرف الآخر، ومثل هذه الصبيانية تفسد الحياة الزوجية، فقرارك بالزواج من الثانية أنت من تتحمله بحلوه ومره، وإن أردته فليكن بعيداً عن استخدامه كلغة تهديد لشريكة حياتك، فمهما كان الضرر الواقع على شريكك من قرارك، فإنك أيضاً ستتحمل عواقبه أو على الأقل عواقب كلماتك. أناسٌ كُثر يلجأون لمثل هذه الطريقة للحصول على طلباتهم، فمثلاً بعض الأشخاص من المتعاطين للمخدرات الذين خضعوا للعلاج ويتم دمجهم في المجتمع، تجدهم يهددون بشكل أو بآخر بعودتهم للإدمان كنوع من الضغط على محيطهم ومجتمعهم، وعلى الرغم من تعافيهم من الإدمان، فإنهم يتلككون به بين الحين والآخر ويتخذون من مسألة عودتهم لعالم المخدرات ورقة ضغط على من حولهم، فحين لا يتم منحهم وظيفة مناسبة يهددون، وعندما لا يجدون بعض المطالب من أسرتهم أو مجتمعهم أو حتى دولتهم تجدهم يستخدمون لغة التهديد والوعيد، في حين أن قرارك بالإدمان فيه مضرة لشخصك أنت وهلاكك أنت، وقراراتك وشجاعتك للتخلص من هذه الآفة هي فرصة لا تعوض لعدم العودة لها مهما كان السبب، وإن كنت تريد العودة مرة أخرى وتعود مدمناً مجرماً بحق نفسك وحق مجتمعك، فلن يكون مصيرك إلا العقاب والهلاك، وما تهدد به لن يضر أحداً إلا نفسك. ما أردت طرحه هنا أننا أحياناً نستخدم أسلوب التهديد والامتناع والرفض رغم أننا المستفيدون أو الخاسرون، فعندما تهدد المرأة بخيانة زوجها فهي الخاسرة، وعندما يهدد رجل بالامتناع عن أداء مهامه وواجباته تجاه أسرته وعدم النفقة عليهم فهو الخاسر، فأقل خسارته تكون فقد الكيان الذي يحتويه، وعندما تهدد الأم بالغضب على ابنها لعدم تلبية رغبتها التي فيها مضرة له ولمعيشته، فهي الخاسرة، فقد خسرت أحد أجنحتها في الحياة، وعندما يهدد الشاب بالخروج من الجامعة إذا ما حصل على كذا وكذا فهو الخاسر لمستقبله وحياته، لذلك فالقرار قرارك عزيزي الشاب، وأنت الخاسر الأكبر ولا أحد سيكترث لمعاناتك سوى نفسك، وهكذا هو الحال في كل شيء بحياتنا، عندما نقرر أن نقوم بشيء أو نمتنع عنه فنحن المتأذون أو الرابحون، وعلينا أن نختار ما يربحنا دائماً، فلا أحد سيدوم لك إلا نفسك، وكما يقول المثل الشعبي: «اللي ياكل على ضرسه ينفع نفسه».