أصبح الكثير منا للأسف يُطالب بحقوقه قبل واجباته، ولا أقصد هنا الحقوق والواجبات المتعلقة بالمواطنة وإن كانت جزءاً من طرحي بالتأكيد، ولكن ما أقصده هو حقوقنا وواجباتنا في حياتنا الاجتماعية والعملية، فكثيراً ما نجد مشكلات زوجية سببها عدم معرفة كل طرف بماهية حقوقه وواجباته تجاه الطرف الآخر، أو مشكلات في بيئة العمل للسبب نفسه، والحقيقة هي أن المشكلة الأساسية لا تكمن في عدم معرفتنا لحقوقنا وواجباتنا بقدر ما تكمن في عدم معرفتنا بما يأتي أولاً؛ أهي الحقوق أم الواجبات؟ لا يمكن لأي شخص أن يطالب بحقوقه قبل أن يقدّم المطلوب منه من واجبات، هذه الحقيقة الغائبة عن الكثير، فأنت كأب مثلاً كيف لك أن تطالب بحقوقك ووجوب احترامك وتقديرك داخل المنزل قبل أن تقدم لأولادك حقوقهم، والتي هي واجبات وفرض عليك؟ وأنتِ كزوجة كيف تطالبين باحترام زوجكِ لكِ وتقديره لمشاعركِ وظروفكِ وطبيعتكِ قبل أن تقدمين له حقوقه وتعرفين واجباتكِ تجاهه؟! وأنت كصاحب عمل كيف تطلب من موظفيك أن يبذلوا الغالي والنفيس من أجل مصلحة العمل قبل أن تقدم لهم حقوقهم، وأن توفر لهم مقومات البلوغ لأهدافك وتطلعاتك؟! حتى أنت عزيزي المواطن لا يمكن أن تطلب من الدولة أو الحكومة أن تُقدم لك حقوقك قبل أن تتمتع بشروط المواطنة الصالحة وأن تجتهد لتكون عضواً فعالاً بالمجتمع، لا يمكن لأي دولة أو حكومة أن توفر لمواطنيها حقوق خمس نجوم وهم جالسون في بيوتهم دون أن يبذلوا قدراً من المسؤولية تجاه مطالباتهم وما يرونه بأنه حق لهم، وهكذا كل شيء في حياتنا، ما تجدها حقوقاً لك، هي واجبات على شخص آخر يجب أن يقدمها لك وأنت تردها إلى آخرين بحياتك وهكذا. في كثير من الأحيان نجد أن هناك مشكلة لدى الكثير في تقدير الحقوق التي يطالبون الغير بها، فتجد من يطالب بالحصول على الوظيفة الفلانية والمنصب العلاني دون أن يكون قد اجتهد للوصول إليه، وتجد من يطالب بحقوقه في الحياة الكريمة وهو يجلس ساكناً دون حراك، وهذا يأخذنا لنقطة مهمة ألا وهي أننا لا نربط بين ما نريده ونتمناه وبين ما يجب أن نقدمه لنحصل على مبتغانا، فتجد صاحب مشروع يريد لمشروعه النجاح دون أن يقدم الجديد لزبائنه أو متعامليه، وتجد كاتباً يريد أن يصبح صاحب رأي مسموع ويؤخذ بكلامه في المجتمع دون أن يقدم لقرائه ما يفيدهم ويضيف لحياتهم، صحيح أن لكل شخص حقه في أن يكون بالوضع والمنزلة اللذين يريدهما بالمجتمع، ولكنْ لكل شيء ضريبة أو مجهود يجب أن يُقدم، وهذا هو واجبك تجاه أمانيك ومطالبك ومساعيك، أن تقدّم لكي تأخذ، تدفع لكي تحصل، هذا هو قانون الحياة والعمل والنجاح، وأيضاً قانون العلاقات الاجتماعية إن أردنا أن تكون بمسارها الصحيح. يجب علينا أن ندرك بأن علينا أن نُقدم واجباتنا على حقوقنا لكي نحصل عليها بشكل كامل، ولو طبقنا هذا الأمر على جميع أمور حياتنا فسوف نتغير للأفضل.. جربوه داخل بيوتكم، في علاقاتكم الأسرية والاجتماعية، في شركاتكم ومشروعاتكم وبيئة عملكم، في أحلامكم وتطلعاتكم وأمانيكم وحتى أهدافكم، قدموا واجباتكم على حقوقكم وقتها لن تخجلوا من طلب حقوقكم، حينها سيكون الحق مفتاحاً بأيديكم يفتح لكم كل أبواب الحياة. لا يمكن لأي شخص أن يطالب بحقوقه قبل أن يقدّم المطلوب منه من واجبات. محامٍ وكاتب إعلامي