من المفترض أن تكون إدارات حماية المستهلك هي الدرع الحامية لحقوق الناس في وجه التجاوزات، وأن تكون ملاذاً يُعيد للمواطن والمقيم حقه دون تأخير أو تعقيد.

لكن في واقعنا، يبدو أن بعض هذه الإدارات، في كثير من الأحيان، تمارس دوراً انتقائياً.

لنأخذ مثلاً واضحاً: غرامة إصدار فواتير بلغة أجنبية دون اللغة العربية.

هذه ليست مخالفة شكلية، بل منصوص عليها صراحة في بعض الإدارات، وغرامتها قد تصل إلى 100 ألف درهم، وهي في متناول يد موظف واحد، يمكنه فرضها دون الرجوع لسلطة قضائية.

ورغم ذلك، نراها تُفعّل حيناً، ويغضّ الطرف عنها حيناً آخر.

وبعض الشكاوى تبقى «معلّقة» حتى بعد تقديم كل ما يُطلب من أوراق وإثباتات.

المستهلك يُستنزف في المتابعة، ولا يعرف إن كان عليه انتظار رد، أم رفع يده يائساً، فهل هناك رقابة على هذه الإدارات؟ وهل يتم تقييم أدائها؟ أم أنها تمارس صلاحياتها باستقلالية تجعلها في موقع الحَكم والمُنفّذ معا؟

الحلول تبدأ بالشفافية، ولابد أن تُنشر تقارير دورية توضّح عدد الشكاوى المقدمة، وعدد التي أُغلقت، وعدد الغرامات المفروضة، ومن طُبّقت عليه. كذلك يجب إعادة النظر في بعض الصلاحيات الفردية التي تُمارَس دون رقابة، فالغرامة العالية يجب أن تخضع لمراجعة داخلية قبل إصدارها، ويُعطى التاجر فرصة للرد قبل التنفيذ.

أما المستهلك، فيجب أن يُمكّن من متابعة شكواه إلكترونياً، ومعرفة أين توقفت ولماذا. وأن تُفعّل مؤشرات أداء للموظفين، تقيّمهم بعدد الشكاوى التي أنصفوا فيها المستهلك، لا بعدد الأيام التي بقيت الملفات فيها معلقة!

إدارة حماية المستهلك، في أصلها، وُجدت لتحمي الناس، لا لتكون أداة إما لترويض التاجر أو لتجاهل المشتكي. فإما أن تكون مسّاً للعدالة، أو تكون ملامسة للتيه والضياع!

ومن الجوانب المقلقة أيضاً، أن إدارات حماية المستهلك لا تفصل أحياناً بين الشكاوى الجوهرية وتلك الكيدية أو المبنية على سوء فهم، فهناك شكاوى حقيقية تتعلق بعيوب جسيمة أو تجاوزات موثقة، تُترك في الانتظار، بينما تُعامل شكاوى سطحية بمبالغة مفرطة، خصوصاً حين يكون أصحابها من مشاهير السوشيال ميديا، الذين بات أثرهم في تحريك المؤسسات أقوى من عشرات الشكاوى الموثقة التي لا تلقى تفاعلاً.

هذا التفاوت في التعامل يُفقد هذه الإدارات مصداقيتها، ويجعلها تظهر كأنها تتحرك وفق ضغط الرأي العام، لا وفق معايير العدالة.. فهل نحن أمام إدارة هدفها إنصاف الجميع، أو إدارة تستجيب للأقوى صوتاً؟

www.ysalc.ae

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Get Appointment

Feel free to contact us and we will get back to you as soon as possible