قد تختلف الآراء ووجهات النظر كثيراً بيننا وبين الآخرين، سواءً كانوا أصدقاء أو زملاء أو أقارب، أو حتى شركاء في الحياة، وهذه طبيعة إنسانية، جبلنا الله عليها وسنظل، ولكن المهم هو كيف نتصالح بعد كل خلاف؟ كيف نعود إلى حياتنا بشكل سليم؟ أو بصورة أدق كيف نعيد علاقاتنا كما كانت عليه؟ ربما تكون هذه من أصعب الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا وقت الخلاف، وقد لا نجد إجابات لها.. في هذا الطرح أردت أن أعرض عليكم درساً، ربما يفيدكم، ويجعل علاقاتكم أكثر اتزاناً. معظم الأوقات، للأسف، نقوم بالحكم على الأشخاص الذين حولنا من مسمياتهم؛ من علاقتنا معهم، فننظر إلى مديرنا بصورة المتسلط الآمر الناهي، وننظر إلى والدنا بصورته الأبوية، وكذلك ننظر إلى شريك حياتنا بصورة الظالم والمظلوم، والأمر نفسه عندما نوسّع دائرتنا، فنجد أن جميع من حولنا يوجد لدينا انطباع محدد عنهم، وإن كانوا ليسوا ضمن دائرتنا الاجتماعية، فتجدنا نحكم على مؤثرينا وأصحاب الفكر والآراء والمشاهير من المنظور والمنطلق نفسه، وكأننا نتناسى أنهم جميعاً أناس تنطبق عليهم قوانين البشرية والإنسانية، ولا مفر من ذلك، مهما علت مراتبهم أو صَغرت، فالجميع محكوم بنفس القوانين والأطباع والصفات، وإن كانت بدرجات متفاوتة. عندما نختلف، ننظر إلى الشخص الذي اختلفنا معه بمنظور العلاقة التي تربطنا به، إن كان صديقاً ننظر إليه بصفة الصديق، وإن كان شريكاً نظرنا إليه بصفة الشريك، وإن كان أباً نظرنا إليه بصفة الأب، ولكن ورغم أن الصفة أو شكل العلاقة لها أهمية كبيرة في تحديد مثل هذه الأمور، إلا أننا لو نظرنا إلى الطرف الآخر بصفة الإنسان، لاستطعنا رؤية الموضوع من زاوية مغايرة، فعندما نحزن من والدنا مثلاً، ننظر إليه بصفة الأب، وقد نعتب أو نتثاقل من كلامه أو ردوده، ولكن إذا نظرنا إلى تصرفاته وأفعاله على أنها نابعة من إنسان قد يغضب أو يضعف أو يتكتف ولا يستطيع تقديم المساعدة، فحينها سندرك أن غضبنا منه أو مأخذنا عليه ليس بالضرورة أن يكون بالصورة نفسها التي وضعناها له في أذهاننا. لقد ذكرت مسألة الخلاف مع الأب لأنها قد تختصر الكثير من الأمور والمتشابهات في علاقاتنا المجتمعية، فهناك الكثير ممن يتحاملون على والدهم لقيامه بشيء ما، متناسين أنه في النهاية إنسان له مشاعر وحقوق، ومن حقه أن يتصرف كيفما يريد، طالما لم يتعدَّ على حقوق أحد، والمسألة نفسها في خلافنا مع شركاء حياتنا، فنحن نعاتبهم، نتحامل عليهم، نغضب منهم، دون أن ننظر إلى الجوانب الإنسانية التي هم عليها؛ والإنسان بطبيعته خطاء، يخطئ، يغضب، يحزن، يمر بظروف قد تؤثر عليه، ولو نظرنا إلى كل فعل أو ردة فعل من منظور إنساني، لأدركنا أموراً كثيرةً، ولاختصرنا وقتاً كبيراً في معالجة العديد من المشكلات التي تواجهنا في تعاملاتنا. عندما نضع الاعتبارات الإنسانية كواحدة أو كجزء من تحليلاتنا لأي موقف نتعرض له، فحينها سيكون بمقدورنا معالجة الخلل، وخلق الاتزان في علاقاتنا، وأيضاً إصلاح ما تسببنا به من إيذاء أو تعدٍّ على الآخرين، وفي الوقت نفسه سنتصالح مع أنفسنا، وندرك تأثير الإنسانية على تصرفاتنا وعلاقاتنا، وقد يكون ذلك صعب التنفيذ، ولكن على الأقل ضعوا في اعتباراتكم هذه الجوانب في علاقاتكم مع محيطكم القريب؛ مع أولادكم وبناتكم، آبائكم وأمهاتكم، أزواجكم وزوجاتكم، أصدقائكم وصديقاتكم، فهؤلاء لهم حق علينا بأن نفهم دوافعهم، فلا نحكم عليهم أحكاماً جائرة، ولننظر إليهم بعين الإنسان، وهذا درس «إياك والنسيان».