من أكثر المفاهيم الإنسانية أو الاجتماعية التي يصعب فهمها أو إدراكها مفهوم «عزة النفس»، لذلك فإن قلة قليلة يدركون كيف يجعلون شخصياتهم عزيزة نفس، ويتوقفون عن إذلال أنفسهم بمقابل أو بدون مقابل، ولن أتطرق في هذا الطرح للمفاهيم الدينية لعزة النفس رغم أهمية ذلك، ولكن أريد أن استعرض وجهة نظر مغايرة حتى نعمق هذا المفهوم ونطبقه في حياتنا ليعزز مفهوم عزة النفس لدينا، أولها أن نُقدر ونحترم ذواتنا وألا نسمح بأن نُذَل أو نتذلل في طلب حاجياتنا وأمور حياتنا، فعزة النفس أمر ثقيل وصعب على النفس وليس لدى الجميع القدرة على تحمل تبعاته وصعوبة مشواره رغم نجاحه في كل الظروف والأزمنة. للأسف كثير منا فقد هذه الصفة وهذا المفهوم اليوم، فنجد حولنا العديد من الأشخاص ممن هم مستعدون كامل الاستعداد لبيع أنفسهم مقابل أي شيء، تجدهم في العمل يتذللون لمديرهم والمسؤول عنهم، «يدهنون السير» كما نقولها بالعامية «للي يسوى واللي ما يسوى» معتقدين أنهم بذلك يشترون أنفسهم ليصبحوا من ذوي القيمة، وكذلك نجدهم في التعاملات التجارية يحاولون النصب والتحايل والكذب والخداع من أجل الحصول على المال، وكأن هذا المال سيصنعهم أو يرفع من قدرهم، ولكن في الحقيقة هم مفضوحون أمام الناس ولا قيمة لهم ولا لأموالهم، هؤلاء لن يتوقفوا عن إذلال أنفسهم مهما صعدوا، وسيظلون يلهثون ويركضون وراء صناعة قيمتهم لكنهم بعيدين كل البعد، فالطريق الذي سلكوه لن يصل بهم لمبتغاهم مهما فعلوا. من أبسط وأقرب التعاريف التي أجدها مناسبة لعزة النفس أن تعرف وتعلم وتتعلم كيف تُكرّم نفسك في كل شيء بحياتك، في طريقة جنيك لرزقك وأيضاً في طريقة صرفك وإدارتك لأموالك، فالإنسان يجب أن يُكرّم نفسه ويجعل الأموال والممتلكات هي من تخدمه لا هو من يخدمها، كما يجب أن تكون عزة النفس أيضاً في طريقة تعاملاتك مع الآخرين وحدود علاقاتك بهم، وفي تجنبك لما يؤذيك من علاقات وعواطف قد تجعلك ذليلاً وأسيراً لها، وعزة النفس في هذه الحالة في تمالكك لمشاعرك وألا تجعلها تقودك للأسفل بل ترتقي بك للأعلى دائماً. قيل بأن غنى النفس لمن يعقل أفضل من غنى المال، وقد صدق القائل ليس في أن غنى النفس أفضل من غنى المال فقط، بل أيضاً بأن هذا الأمر لا يدركه إلا من يعقل، فقلة هم من ينظرون إلى عزة النفس على أنها مهارة قد تُكسبك الكثير دون عناء. بينما محاولات بيع النفس وإذلالها لن تصل بك إلى أي نتيجة مهما فعلت، والعاقل من يدرك بأن كل شيء في الحياة يجب أن يُطوّع لخدمة نفسه والارتقاء بها والمحافظة عليها من أي أذى سواء كان أذى جسدياً أو عاطفياً. فكما قال الشاعر: «كن عزيز النفس ولا تبالي، فالكل يفنى ويبقى الإله العالي، ماذا ستكسب في حياتك دلني، إذا ما خسرت كرامة الإنسان».