عندما تتجول في وسائل التواصل الاجتماعي، وأقول تتجول، لأن هذه الوسائل باتت تنقلك من عالم إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، وكأنك تتجول هنا وهناك، فتجد أن مستخدميها باتوا ينقسمون إلى قسمين، نصف يتباهى ونصف يتباكى، نصف يتباهى بما يملك من نعم الله، وما وصل إليه من نجاحات أو تطورات، أو حتى التباهي بما لا يملك، بل هي مناظر أو صور مزيفة لا تعبّر عن الواقع الذي يعيشه، فيصنع عالماً مزيفاً، أو يخلق لنفسه مكانة غير حقيقية بسبب أكاذيب أراد منها ومن خلالها التباهي، هؤلاء لو صاحبت عالمهم ستشعر بالتعاسة، فأين أنت وأين هم؟ فما الذي تمتلكه وما الذي يمتلكونه حتى تقتنع بأن عليك تقليدهم وتتباهى أنت أيضاً «مثلك مثلهم». وعلى جانب آخر، تجد من يتباكى ممن لا يعجبه العجب، ينتقد هنا ويتباكى على زمن فات، ويتساءل: أين زمن الطيبين، وزمن البطولات وزمن العظمة؟ ولا تجد منه إلا بكاء على ما وصلت إليه مجتمعاتنا من تردٍّ في أخلاقها ومعنوياتها وإنجازاتها، هؤلاء إن تعمقت في متابعتهم ستحس للحظة بأننا نعيش في زمن التباكي، وليس أمامنا سوى البكاء على حالنا وأحوالنا! في الحقيقة هذا الحال ليس حال وسائل التواصل الاجتماعي فقط، فحتى في مجالسنا، في أسلوب حياتنا، وفي كل شيء من حولنا، بات الناس إما يتباهون أو يتباكون، وحتى قراراتنا بتنا نأخذها إما لكي نتباهى أمام الآخرين أو لنتباكى ونتذمر من حياتنا وسوء الأوضاع، وفعلاً نعيش هذا التناقض العجيب لحظة بعد لحظة، فتارة نتحدث عن النعيم الذي نعيشه في هذا الزمن، من خلال التطورات التي نلمسها في كل مكان من حولنا من حسن التنظيم والحياة الرغيدة التي نعيشها، وفي الوقت نفسه نتذكر تلك الأيام «الخوالي»، زمن الطيبين أيام ما كنا ندرس على الشمعة، فهل فعلاً أصبحنا ممن ينطبق عليهم المثل «لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب»؟ ما نفتقده حالياً وبكل صدق هو القناعة، نعم القناعة بأن هذه هي حياتنا بحلوها ومرها، وعلينا أن نستمتع بما فيها، لا أن نتصنع الفرح والسعادة، وننقل إلى العالم تلك الضحكات والأكلات والمناظر الجميلة فقط لنقول لهم ها نحن هنا فلتنظروا لنا وتناظرونا، ومن بعدها تشتكون من صعوبة الحياة، والتغييرات المهولة التي تتعبنا وتؤرق حياتنا، وتقف حاجزاً بيننا وبين سعادتنا وشعورنا باللحظة التي نعيشها، وكيف نشعر باللحظات التي نعيشها ونحن نفكر بأن ننقلها إلى غيرنا ونتناقل صورها وفيديوهاتنا وتعبيراتها، ولو كان بأيدينا لنقلنا لهم لذتها وطعمها ورائحتها دون أن ندرك كل هذا، ثم نتباكى: لماذا لا نشعر بتلك الأحاسيس رغم أننا تحدثنا عنها وتعمقنا في وصفها عبر منشوراتنا وأحاديثنا وقروباتنا، فهل نحن في زمن التباهي أم التباكي؟ في الحقيقة نحن نضيع فرصة أن نعيش الحياة كما هي، من دون تباهٍ أو تباكٍ، نضيع فرصة أن نستمتع بكل ما هو حولنا من نعيم وأنعام، أجيبوا عن سؤال مقالي هذا، وحينها ستعلمون بأن زماننا وحياتنا لا تستحق أن نجعلها مرهونة بالتباهي ولا بالتباكي بقدر ما نجعلها مرهونة براحتنا وسعادتنا وما يجعلنا نستمتع بكل ما فيها. twitter.com/dryalsharif www.ysalc.ae محامي وكاتب إعلامي