يصادف نشر مقالي هذا أيام عيد الأضحى المبارك، وتعمدت ألا أخرج على موضوع العيد وفرحته، حتى هنا في لقائي معكم، وأتساءل لماذا يتجاهل البعض أجواء وروحانيات العيد، ويبررون ذلك بأن العيد فرحته للأطفال، متعللين بأنه تغير في أجوائه وعاداته وتقاليده؟ في وجهة نظري، إن العيد لم يتغير، بل على العكس أجد أننا أكثر تواصلاً في عيد هذه الأيام، لأننا نحادث القريب والبعيد، ونتبادل التهاني من أناس في مشرق الأرض ومغربها، ولكن ما تغير هو نظرتنا للعيد، فأصبحنا نراه يوماً عادياً، ينام البعض نهاره كاملاً دون أن يعيش أجواء البهجة بوجود روحانيات نفسية وقلبية بقدوم العيد وطقوسه المختلفة. فنحن لو تمعّنا فقط في صلاة العيد، وكيف تبدأ يومك بأجواء دينية فيها التواصل الاجتماعي أساس وهدف ومغزى، وأن تجد مظاهر توزيع الهدايا والمأكولات على أطفال الفريج، وإدخال الفرحة إلى قلوبهم، وأيضاً باجتماعك وسلامك على عشرات الأشخاص ممن لم تجتمع بهم منذ زمن، وتسأل عن أحوالهم ويسألون عن أحوالك، وتكتشف أن ابن فلان أصبح رجلاً، وابنة فلان باتت عروساً؛ هذه التفاصيل وغيرها كثير، هي روح العيد، والهدف منه، فيجب ألا نتغافل عن عيش هذه الأجواء، لأن بعدنا وتجاهلنا لأيام فرح مثل هذه يجعلنا نتكدر، فلا نقيم وزناً لمعاني حياتنا، ونتهم الحياة بأنها تغيرت والناس تبدلت، والفرحة غابت، وأجواء العيد تبددت، والحقيقة أننا نحن من تغافلنا عنها، وتكابرنا على عيشها والشعور بها. الإنسان مجبول بفطرته على الروحانيات والصفاء والتعلق بالأمل ومجريات الحياة، وأنا أجد أن العيد فيه كل هذا، ومن واجبنا أن نحتفل ونفرح في هذه الأيام المباركة، ولا مانع أن نزين فريجنا وبيوتنا، ونهندم ثيابنا، ونسعد أطفالنا ونساءنا، ونعايد أقاربنا وأبناء عمومتنا وندخل الفرحة لبيوتنا وعوائلنا، وندخل عليهم فرحة العيد وبهجته بتصرفاتنا وطريقة تعاملنا، فالفرح ليس سحراً أو طاقة مجهولة، بل هو ابتسامة ولطف وشعور إن أوجدته في محياك ستجده لدى الغير، وستنشره في كل شيء حولك، ولا ننسى أن هذا العيد عيد العطاء من الأضاحي والصدقات، نتبادلها لنشعر بلذتها في نفوسنا التي تشعر بهذه اللذة، فلا تفرطوا بها أبداً. في العيد يجب أن نترك المشكلات ومكدرات الحياة ومشاغلها خلف ظهورنا، ونعتبرها إجازة؛ إجازة من العمل وروتينه وصعوباته، وإجازة من هموم الدنيا وحزنها، وإجازة من الجفاء والتعصب والعصبية، وهو فرصة لأن نعيد وصل المقطوع من علاقات وأرحام، ولو تفكرنا بالعيد من هذه الزوايا، فسنجد فيه ما ينقصنا من روحانيات ومشاعر وفرحة وبهجة تغيب عنا لشهور، فلا تتنازلوا عن حقكم في الفرحة، ونصيبكم من السعادة، وعيدكم مبارك.