صراحةً لقد كنت أحد هؤلاء الأشخاص الذين لا يحبون وجود حيوانات في منازلهم، خاصةً داخل البيت، لكن بسبب إلحاح الأهل والأولاد، اضطررت إلى النزول عند رغبتهم، وجلبت لهم قطوة (قطة)، دخلت «لولو» قطوتنا البيت تتفحصه، تشم هنا، وتدور هناك، ولم تترك مكاناً إلا وقامت بزيارته بأنفها الجميل الصغير. بدأت أراقب تحركاتها بالمنزل، رغم انزعاجي وامتعاضي من تصرفاتها وحركاتها، بدايةً كنت أنازع الأولاد وأقول لهم: لا تتركوها تدخل غرفنا، أنتم طلبتم أن تكون في غرفكم فقط، فلماذا لا تحرصون على ذلك؟ لم أكن أدري أن الأولاد تعلقوا بها كثيراً، أو بمعنى أصح اعتبروها واحدة من أهل البيت، ربما أنا لم أشعر بذلك، بسبب كثرة انشغالاتي وأسفاري، إلا أنهم تعودوا عليها لتكون «لولو» أختهم الصغيرة المدللة، التي لا يمكن أن يحرموها حريتها في بيتها على أقل تقدير، صدق المثل الشعبي القائل «البيت بيت أبونا والغرب حاسبونا أو طالبونا». «لولو» بعفويتها اعتبرت فعلاً أن البيت بيتها أو بيت أبوها، وفي هذه الحالة كنت أنا، فقد كانت تلعب مع الصغار، لكنها تهابني وتحترمني، بدأ قلبي يتعلق بـ«لولو» ربما ليس حباً أكثر منه رحمةً وعطفاً وإشفاقاً، فعلمت معنى أن تلك الحيوانات «أممٌ أمثالكم» بحق، كما تعلمت منها كيف أنظر لكل حيوان وأفهم مقصده، وجدت في «لولو» أنها تفهم حركاتنا، وتراقب تصرفاتنا، ليس تجسساً، لكن تحسساً، فهي تتحسس رضانا وغضبنا، خوفنا وراحتنا، عصبيتنا وهدوءنا. «لولو» تجانست معنا، فما وجدت في نفسي إلا أنني أقاسمها طعامي الذي آكل منه، أقطعه لها قطعاً صغيرةً، وأنظفه من البهارات والتوابل، وأبرده، كما طلب مني أولادي، كي لا أؤذي بطنها أو أحرق لسانها، كل هذا بدأت أعيشه وأشعر به، فصرت أرحم قطط الشارع، وأعطف عليها، عرفت كم هو مقدار الرحمة التي تحلى بها بعضهم، عندما أوجدوا مكاناً لمأوى القطط والكلاب الضالة، وعلمت أن أمثال هؤلاء قد توصلوا إلى نتيجة مُثلى في الخُلُق والرحمة. وعلى النقيض تماماً، تراءى لي أُناس لا رحمة في قلوبهم ولا شفقة، ربما كانوا يعتبرون هذه الأرواح والأنفس دُميةً يلعبون بها، أو يأتون بها لأطفالهم لكي يقلبوها ويرموها كما تُرمى الدمية بعد كسرها أو فراغ شحن بطاريتها. فوجدت فيما وجدت بعد أن تعرفت إلى القطة «لولو» أن هذا الحيوان الأليف له مطالب، وهي أن يأكل وينام، ويقضي حاجته، وبالتأكيد أن يشبع رغبته الفطرية في التناسل، ولا أريد أن أُعَرفكم كم معاناة هذا الحيوان حال رغبته بالتزاوج، فالقط يصرخ ويحاول الهرب، بل قد يتبول في البيت أحياناً في غير مكانه المخصص، لا أعلم لماذا تحديداً، لكن حدسي يقول لي إنه ربما يريد أن يضجر منه أهل البيت فيخرجوه، والقطة أيضاً تصرخ وتماوي بصوت عالٍ ومزعج. فما تجد إلا أن أصحاب هذه القطط ينقسمون إلى ثلاثة أقسام، قسم يشفق عليها فيزاوجها، وقسم آخر يجري لها عملية ليمنع شهوتها، وهؤلاء يعتمدون على فتوى طبية، ولكنني لم أقف على الفتوى الشرعية في هذا الشأن بعد، والقسم الثالث يستجيبون لأول انزعاج منها، ويرموها في الشارع، وهنا تكون الطامة، فهذه القطط المنزلية بأنواعها تختلف اختلافاً كلياً عن قطط الشارع، ليس لأنها بنت ناس، وقطط الشارع بنت «كلب» مثلاً، فالكلب أيضاً محترم، وسأحدثكم عنه في مقال لاحق، إن شاء الله، ولكن هذا ما اندرج عليه قولنا. فأقول إن قطط البيوت لا تتحمل أكل الشارع أو مأواه أو جراثيم الطعام، فهي تربت على الأكل النظيف والعيشة المريحة، لذلك عندما يقرر أصحاب هذه القطط رميها، فهم نسوا أنها تحمل نفساً قد تأذت وتآذت، فلا هم بالذين تركوها لغيرهم ولا هم بالذين رحموها من يومهم. نحن قوم نمشي على الموضة، الناس ربت قطط فنربي قططاً، لكن مع أول عطل نرمي بها في الشارع، ونتركها تتصرف لحالها، وسؤالي هنا؛ كيف تتصرف تلك القطة المسكينة وهي لم تشم هواء الشارع؟ كيف تتصرف وهي لم تعرف السيارات وطرق التعامل معها؟! فما ترى هذه القطط إلا مدهوسة أو مضروبة من أقرانها أولاد الشوارع. لست هنا في محل عتاب أو لوم، لكنني أريد أن أدعو نفسي وغيري أن تكون الرحمة في قلوبنا، فالحيوان الأليف أو غيره من المفترض أن يعلمك تلك الرحمة، خاصةً إذا استأنسته واستأنسك، ولا تقل لي إن الحيوان غدار، وأنت لا تعلم سبب غدره، فربما يكون قد آذاه صاحب له، وكم من أُناسٍ غدروا بك وأنت محسنٌ إليهم، ويمكنك أن تطّلع بنفسك على نسب غدر الحيوان بالإنسان مقارنةً بنسب غدر الإنسان بأخيه الإنسان، وستعرف الإجابة. المهم أنا لا أريد أن أخرج على موضوع المقال، بقدر ما أرغب في الإشارة إلى ضرورة الرحمة بهذا الحيوان، فإما أن تكون على قدر المسؤولية بمنزلك وكل من فيه، أو لا تحمّل نفسك عبئاً لا تستطيعه فقط لإرضاء أطفالك، فحتى إن لم تكن تحب هذه الحيوانات مثلي، يجب عليك أن تتذكر أن هناك علاقة أسمى من الحب، ألا وهي الرحمة، فارحم كي تُرحم، وانتظرني في مقالي القادم لأحدثك عن الكلب «جاك»، بعد أن أخبرتك للتو بقصة القطة «لولو».