في عالم تتبدل فيه القيم بتبدل خوارزميات الشبكات الاجتماعية، لا عجب أن نرى دمية تُباع في مزاد علني بمبلغ 150 ألف دولار، كما حصل مع دمية «لابوبو»، تلك الشخصية الغريبة الشكل التي سرعان ما أصبحت «ترند» بعد أن روّج لها أحد المؤثرين، لكنها ليست مجرد دمية، بل تحولت إلى مرآة تعكس خللاً اجتماعياً ونفسياً يستحق التوقف عنده طويلاً.
لنكن واضحين. هذا المقال لا يهاجم اللعبة، ولا يتهكم على من اشتراها بدافع شخصي، بل يسخر – عن وعي – من حالة «البطر الاجتماعي» التي انتابت البعض، حين يتسابقون لدفع مبالغ خيالية في منتج لا يتجاوز كونه لعبة طفولية. لعبة لا وظيفة لها سوى أنها أصبحت مشهورة على «تيك توك» أو «إنستغرام»، فتحولت إلى رمز للتميز الزائف الخالي من المعنى.
من يشتري دمية بأضعاف سعر سيارة اقتصادية، لا يفعل ذلك بدافع الحاجة أو الذوق، بل غالباً بدافع التباهي، أو محاولة ملء فراغ داخلي بهالة شكلية. وهذا بحد ذاته مؤشر على أزمة نفسية واجتماعية تستحق الوقوف عندها، فالاستعراض الاستهلاكي القائم على الاندفاع اللحظي ليس دليلاً على الرفاه، بل على ضياع البوصلة.
اللافت أن هذه الظاهرة تتكرر في موجات مشابهة.. لعبة شهيرة، حقيبة محدودة الإصدار، أو حتى وجبة سريعة تتحول إلى طقس جماعي. كل شيء قابل لأن يُضخم، طالما وَجد جمهوراً فقد مناعته تجاه السطحية، واستبدل الإدراك بالتقليد.
وفي ظل هذه المشاهد المتكررة، لابد من التفكير الجاد في معالجة جذور هذه الظاهرة. جزء كبير منها يعود إلى تسويق المحتوى الفارغ الذي يضع التافه في قالب جذاب، وجزء آخر إلى غياب الوعي النقدي، خصوصاً لدى الأجيال الأصغر التي ترى في هذه الظواهر وسيلة للانتماء أو للفت الانتباه.
أما الحلول فتبدأ بالتوعية لا بالوصاية. نحتاج إلى تعزيز التربية الإعلامية في المدارس، وبثّ ثقافة النقد الواعي، ودعم خطاب يعيد الاعتبار للقيمة الحقيقية، والتفرد الواقعي. كما أنه على المؤسسات الثقافية والإعلامية أن تؤدي دوراً في كشف عبثية هذه «الترندات»، بدلاً من الترويج لها.
وفي النهاية، كما كانت تردد الأغنية الدعائية للعبة: «لابوبو.. لابوبو»، نرددها نحن اليوم لا كأغنية، بل كصرخة ساخرة من هذا الانجراف الجماعي، لأننا كلما فقدنا وعينا وراء «ترند» عابر، أصبحنا أقرب إلى أن نشتري الوهم، ونُباهي به، ثم ننساه إلى أن يظهر «بوبو» آخر جديد.
www.ysalc.ae