سُئِلَت الكاتبة والصحافية الأميركية الشهيرة إيرما بومبيك، قبل رحيلها، ماذا لو عاد بكِ الزمان؟ هل كنتِ ستعيشين حياتك بالطريقة نفسها؟! وتختارين الاختيارات نفسها؟! فأجابت أنها غير نادمة على أي شيء فعلته، ولكن.. فكانت هذه الـ«لكن» وراءها كثير من الأشياء التي تمنت لو أنها انتبهت إليها مبكراً، فمثلاً قالت إنه لو عاد بها الزمان مرة أخرى لن تقضي شهور الحمل في الشكوى من متاعبه، بل ستنتبه إلى أن الحمل معجزة إلهية وستستمتع بأنها جزء من تلك المعجزة، وسبب في خروج روحٍ أخرى إلى العالم، وأيضاً أنها لن تُغلِق نوافذ سيارتها صيفاً خوفاً من أن يفسد الهواء تسريحة شعرها، وقد ذكرت الكاتبة العديد من الأشياء التي لو عاد بها الزمان فستُغّيِرها أو تَنظُر لها بطريقة مغايرة، وهنا أود أن أذكر أن من أهم ما لفت انتباهي هو إحدى الأمنيات البسيطة، حيث قالت «سأستخدم تلك الشمعة الباهظة الثمن التي أُهديَت لي وفسدت من التخزين»، وقد يبدو الأمر عادياً، لكن لو تمعنّا بهذه الجملة فسنجد أننا جميعاً نرتكب الخطأ نفسه بصورٍ وطرقٍ ومراتب مختلفةٍ. كثيراً ما نؤجل أشياء اليوم عن وقتها، ونقول غداً (سوف) نستخدمها أو نشتريها أو نفعلها، وكثيراً ما نخاف من استخدام شيء ثمين لكيلا يَخرَب، وكثيرٌ من الناس لا يستمتعون بأشياء هم من دفعوا أثمانها ليحافظوا عليها فقط، فتجدهم يشترون سيارة وأول شيء يفعلونه يضعون على كراسيها غلافاً أو جلداً ليحمي الجلد الأصلي، في حين أن هذا يجعل جلسة الكرسي غير مريح، ومنظره غير لائق، أو قد لا يناسب مستوى السيارة مهما كانت قيمتها، رغم أنه هو نفسه من يدفع ثمن تلك السيارة، فلماذا لا يستمتع بها؟! وهذه حالة واحدة قد تُلَخص لنا الكثير، فهناك ما هو أكثر من ذلك، فتجد شخصاً يشتري ملبساً جميلاً ويجعله حبيس الخزانة، ولا يستخدمه إلا في المناسبات السعيدة رغم قلّتها أو تَباعُدِها، ويؤجل أن يفرح به إلى أن يتغير مقاسه (بالسمنة غالباً) وفي كل ذلك سؤالٌ دائماً ما يخطر في بالي، لماذا نفعل ذلك؟ هل نخاف من الاستمتاع؟! أم نجد أنه ليس من حقنا أن نستمتع؟! يقولون إنه عندما يتقدم بنا العمر، ونسترجع ذكرياتنا، لن نندم على أشياء فعلناها بقدر ما سنندم على أشياء لم نفعلها، سنندم على وقتٍ جميلٍ بصحبة أشخاصٍ نُحبهُم أضعناهُم في اختلاق المشكلات، سنندم على عدم استغلال وجود أشخاصٍ في حياتنا ولم نشعر بوجودهم إلا متأخراً، سنندم بأننا أضعنا الكثير من الوقت ونحن نخاف؛ نخاف من الغد، نخاف على شكلنا ومكانتنا، نخاف من كلام الناس علينا بسبب تصرفاتنا، نخاف على ممتلكاتنا فنحفظها، ولا نستمتع باستخدامها، نخاف من أن نلاحق أحلامنا وهواياتنا وما نجده ممتعاً لنا، نخاف أن نُوقِف علاقة تستنزفنا، وفي نهاية المطاف نتمنى لو يعود بنا الزمان ونفعل هذا ونُغّير من ذلك. قد يكون الأمر فات حقاً، وتُقنِع نفسك بذلك، لكن تذكر أنك تُعيِد الخطأ نفسه وبعد فترة ستقول لو يعود بي الزمن لتلك اللحظة، الملخص كاملاً يَكمُن في الاستمتاع باللحظة والشيء الذي بين يديك، فالزمان لن يعود لكن يمكنك ألا تجعله يعاود نفسه، ورغم أننا قد سمعنا الكثير من الحِكَم والمقولات والتجارب التي تنادي بهذا الطرح، ولكن قلة قليلة ممن أنزلوها منزل التطبيق على حياتهم وأفكارهم، واتخذوها منهجاً لتربية عقولهم وعقول من حولهم، فلنستغل تلك الفرص كي لا نندم عليها لاحقاً.