هكذا صدحت أم كلثوم، وكأنها تتحدث بلسان كل مراجع طرق أبواب بعض المسؤولين، فلم يُفتح له سوى بوابات إلكترونية، ولا ردّ عليه سوى رسائل تلقائية، ووُعِد كثيراً بأن المعاملة ستُنجز «خلال يومين»، ثم مرت الشهور ولم تُنجز.
حين نشرت مقالي السابق بعنوان «إمتى أنا أشوفك؟»، لم أكن أظن أن صداه سيكون بهذه القوة، تفاعُل واسع من القراء، وكلهم يشكون صعوبة الوصول إلى من يفترض أن يستمع إليهم، بعض المسؤولين يتحدث عن سياسة الباب المفتوح، لكنه – من دون أن يدري أحياناً – محاط بسكرتارية حديدية، تردّ المتعامل وتصدّه، وتخترع الأعذار، وكأنها في مهمة لحمايته لا لخدمة الناس.
وفي خضم هذا التفاعل، تلقيت اتصالاً كريماً من محمد بن طليعة، رئيس الخدمات الحكومية في وزارة شؤون مجلس الوزراء، يشيد بالمقال ويثمن محتواه، وهذه اللفتة الراقية تعكس حسّاً مسؤولاً نادراً في زمن امتلأ بالصمت والتجاهل، فله مني كل التقدير والشكر.
لكن الواقع لايزال يطرح أسئلة موجعة، اليوم بعض البوابات الذكية تحوّلت إلى عذر جاهز للتهرب من خدمة الناس. الموظف يقول: «قدّم الطلب إلكترونياً»، ثم لا يرد، أو يطلب منك الانتظار دون سقف زمني، المعاملة التي كانت تُنجز في نصف ساعة، أصبحت تمر عبر «نظام»، ثم «تذكرة»، ثم «موافقة»، ثم «تحويل»، وأحياناً لا ترى النتيجة إلا بعد أن «تفقد الأمل أو تطرق باب المدير شخصياً».
وهنا تكمن المفارقة.. حين يضطر المراجع إلى مقابلة المدير العام، فهذا ليس إنجازاً ولا لباقة إدارية، بل علامة على أن الإدارة التي تحت هذا المدير قد فشلت في أداء دورها. المدير الناجح هو من يجعل فريقه يُنجز العمل دون أن يضطر هو للظهور إلا نادراً، لا أن يتحوّل إلى «الحل الأخير» لإنقاذ كل معاملة متعثرة.
بل إن بعض الجهات تقول بأن مديرها ينزل بنفسه إلى صالة المراجعين، والحقيقة أنه لا فرق إن قابلهم في القاعة أو في مكتبه، إن لم تُنجز أعمالهم بسهولة من أصلها. الأساس هو سير النظام، لا استعراض الحضور.
ومن هنا، تتجدد أهمية «الموظف السري» الذي أطلقه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ليس لمراقبة أداء الموظفين، بل ليراقب أثر الأداء: هل ازدحمت الصالات؟ هل الناس جاؤوا لأن الأنظمة الذكية لم تنفع؟ هل ينتظرون المدير لأن من دونه لا يردّ أحد؟
وأختم بتحذير مهم: أرجو ألا يُفهم هذا الطرح عكسياً، فيلجأ البعض إلى إغلاق القاعات بدعوى التنظيم، ويظن نفسه ناجحاً لأن «نسبة المراجعة صفر»، بينما الحقيقة أن الناس مُنعت من المراجعة، لا أن معاملاتهم أُنجزت، وهذا ليس خللاً، بل «غلطة» والمطلوب ألا تتكرر.
*محامٍ وكاتب إعلامي
twitter.com/dryalsharif
www.ysalc.ae