مع بداية شهر رمضان الكريم، انتشر مقطع فيديو جميل لموائد الرحمن في ديرة بدبي، حيث تم تصوير مائدة يجتمع عليها أكثر من 4500 شخص، منظمة بطريقة رائعة بين الأحياء والأسواق الشعبية، التي تعكس صورة من صور دبي الإنسانية الرحيمة، ففي هذا الشهر المبارك من اللطف أن نُظهر إنسانية مجتمعنا وتسامحه والتعبير عن عطائه ورحمته بين أفراده، لذلك وددت أن أطرح نقطتين في هذا الجانب علينا أن نتمسك بإحداهما، ونُعيد النظر بالأخرى. بدايةً يجب أن نتمسك بعاداتنا وتقاليدنا وموائد الرحمن التي كانت تنتشر بكل مكان في إماراتنا، فأينما تجوب تجد خيماً تقدم الطعام لكل سائل أو محتاج أو مارق طريق، لا تسأل عن جنسه أو لونه أو حتى دينه، مسلم صائم أهلاً وسهلاً، والأجر إفطار صائم، غير مسلم جائع أهلاً وسهلاً والأجر صدقة لشخص نتشارك معه القيم الإنسانية في هذا الشهر الفضيل الذي تتمثل حكمة صيامه في الشعور بهؤلاء الجوعى مهما كان دينهم. هذه الصور يجب أن نظهرها للعالم، ليس تفاخراً بما نعمل كمجتمعٍ أو مؤسساتٍ، بل لإظهار تلك الأجواء الرمضانية المنتشرة في مدننا وإماراتنا، في فرجاننا وحاراتنا، حق علينا أن نلتمس البساطة والرقّي في مدننا المتطورة والمتقدمة، ولعلي أجد تقصيراً في هذا الجانب، فقليلة هي الحكايات عن إنسانية شعبنا ومجتمعنا وعاداتهم وتقاليدهم في شهر رمضان وغيره من الشهور، وأنا أجد أن علينا حقاً التمسك بتلك القيم، والحرص على وجودها لضمان الإبقاء على أصالتنا المجتمعية. الأمر الآخر الذي يجب أن نُعيد النظر فيه؛ صحيحٌ أن دولتنا دولة عز، ونكاد نقول إنه لا يوجد جائع في الإمارات، ولكن هذا لا يمنع أن نكثّف الجمعيات الخيرية على إيصال الحاجات لمن هم داخل الدولة، وأن تقيم الموائد وتظهر كَرَم أهلنا ومجتمعنا في كل مكان. فمن الملاحظ أن جمعياتنا الخيرية ومؤسساتنا الإنسانية باتت تركز على المشاريع الخارجية بصورة أكبر من المحلية، وهذا له جانب من الصواب، فالعالم يتضور جوعاً، والأزمات الملاحقة جعلت هناك أعداداً كبيرة لا تجد قوت يومها، ومجاعات كثيرة تسكن أوطاناً ومدناً، وأنا أتفهم كل هذه الأمور وأتفق معها، لكن الموازنة بين مشاريع الخير الداخلية والخارجية أمر مهم لاستمرار عطائنا في أرضنا أرض الخير. خاصةً أن هناك فئات من العمال والعاملين كانوا يجدون في رمضان فرصةً لمأكلٍ ومشربٍ وملبسٍ وعطاءٍ من أنواعٍ كثيرةٍ، فيجب ألا يتوقف هذا العطاء، بل العكس يجب أن يُضَاعف لتكون دولتنا حاضنة للإنسانية ونصيرة للعدل المجتمعي ومنارة للخير والعطاء في الداخل والخارج، وهذا لا يعني أبداً أن هناك تقصيراً، بل ما هذا الطرح إلا للتأكيد على وجوب الاستمرارية. في الحقيقة نحن نعيش في نعمة كبيرة بهذا الوطن، وأن نتشارك هذه النعم مع المحتاجين في كل مكان هي صورة مشرفة لدولتنا حرصت عليها دائماً منذ تأسيسها، وأنا عن نفسي أسعد بأن نستمر في تقديم الصورة نفسها بالجودة ذاتها، كما أسعد بتلك المظاهر البسيطة التي نعبر فيها عن قيمنا وعاداتنا، سواء في الشهر الفضيل أو غيره، فنحن مجتمع تربى على تقاليدٍ معينةٍ يجب أن نحافظ عليها ونورثها لأجيالنا.