بينما كنت أقلّب عينيّ في الخزانة التي أمامي، وأنا أهمّ بكتابة هذا المقال، وجدت عشرات الدروع والشهادات التي نلتها من مشاركاتي وإسهاماتي المتعددة. أغلبها حصلت عليه في فترة معينة، ثم توقفت، سوى عدد محدود يُعد على أصابع اليد الواحدة.
هذا التأمل حملني على أن أتذكر حديثاً دار بيني وبين أحد أصدقائي، الذي كان يعيش تجربة مشابهة، فقد أخبرني صديقي كيف تهافتت عليه الدعوات والمناصب بشكل متسارع، حتى إنه لم يكن يجد الوقت الكافي لحضور كل تلك الفعاليات، وكأن الناس لا يرون فيه سوى تلك الهالة التي يضفيها المنصب عليه.
كان حديثنا يتمحور حول هذا الشعور المتناقض الذي يراود كل من شغل منصباً مهماً في يوم من الأيام، حيث تزداد قيمة الإنسان في عيون الآخرين بمجرد أن يجلس على كرسي معين، وكأن المنصب ذاته هو ما يعطي الشخص قيمته.
صديقي، الذي عاش تلك التجربة بحذافيرها، كان يروي لي كيف أنه بمجرد أن غادر منصبه تبدلت الأمور فجأة. توقفت الدعوات والفعاليات التي كانت تنهال عليه يومياً، وبات كأنه لا يتذكره أحد. تساءل حينها: «هل كنت مجرد واجهة لمنصب؟ أم أنني كنت فعلاً أمتلك قيمة حقيقية في المجتمع؟».
ثم استمر صديقي في طرح المزيد من الأسئلة المحيرة: «إذا كنت أنا شخصاً سيئاً، فلماذا قدموني في كل تلك المناسبات والفعاليات؟ كيف يُعقل أن يتم تقديمي لهم وكأنني الشخص المناسب في كل وقت، ثم يتم نسياني بسرعة بمجرد مغادرتي للمكان الذي كنت فيه؟ وإن كنت جيداً، فلماذا نُسيت بهذه السهولة بعد انتهاء مهمتي؟».
هذه الأسئلة التي طرحها صديقي ليست غريبة أو غير مألوفة. كثير ممن أعرفهم ممن غادروا مناصبهم يطرحون التساؤلات نفسها. لماذا ترتبط قيمة الإنسان بالكرسي الذي يجلس عليه؟ لماذا يُنسى الإنسان فجأة بعد رحيله عن موقعه؟ هل يهتم الناس بالشخص حقاً، أم أن اهتمامهم ينصبّ على المنصب الذي يشغله فقط؟ وكأن القيم الإنسانية والشخصية والعلمية تأتي في المرتبة الثانية بعد المكانة التي يتيحها الكرسي.
أصبحت تلك التساؤلات تُراودني أنا أيضاً. وأنا أتأمل تلك الدروع والشهادات في خزانتي، التي تعكس في ظاهرها اعترافاً بجهودي ومشاركاتي. وإذا تركت مواقعي القانونية والإعلامية، هل سينساني الناس كما نُسي صديقي؟ وهل ستظل قيمتي قائمة في أذهانهم، أم أن كل شيء سينتهي بانتهاء تلك الأدوار الرسمية التي أؤديها؟
هذه التساؤلات تحمل في طياتها معاني عميقة عن طبيعة المجتمعات التي نعيش فيها، وعن الطريقة التي يتم بها تقييم الأشخاص بناءً على ما يشغلونه من مناصب لا على ما يقدّمونه من أفعال.
في النهاية، يبقى السؤال الكبير قائماً: هل نحن نحترم الأشخاص لقيمتهم الحقيقية، أم أن التقدير مرتبط بالمناصب التي يشغلونها فقط؟
محامٍ وكاتب إعلامي
dryalsharif@