إذا كنت تظن أن تطبيقات التوصيل وُجدت لخدمتك، فأنت على الأرجح لم تدقق في فاتورتك أو في شكل وجبتك عند وصولها. ما بدأ كخدمة مريحة، تحوّل مع الوقت إلى فخّ يدفع ثمنه المطعم والمستهلك معاً، بينما الوسيط هو المستفيد الأكبر بلا منازع.
القصة تبدأ من العمولات المرتفعة التي تفرضها هذه المنصات، والتي تراوح بين 16% و35% من قيمة الطلب. هذه النسب تضع المطعم أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما رفع الأسعار لتعويض الفارق، أو خفض جودة المنتج ليقلل الخسارة. وفي الحالتين، أنت كمستهلك الخاسر الأكبر. وهنا، لا تظن أن الأمر مجرد أرقام نظرية، فالتجربة خير دليل.
في إحدى المرات، طلبت من مطعم اعتدت عليه عبر أحد التطبيقات، لأفاجأ بأن السعر أعلى بنحو 33% مما كنت أدفعه مباشرة. ألغيت الطلب فوراً وتواصلت مع المطعم، فوجدت السعر أقل بالنسبة نفسها، بل وزاد عليه سلطات مجانية. هذه الحادثة جعلتني أتساءل: لماذا أستخدم التطبيق لأدفع أكثر وأحصل على أقل، بينما يمكنني الحصول على خدمة أفضل وسعر أوفر بالتواصل المباشر؟
ولا تتوقف الخسائر عند العمولات، بل تمتد إلى عامل التوصيل نفسه. تأخير الوصول أو القيادة غير الرصينة قد يفسدان ترتيب الطعام أو يبردانه، لكن العميل غالباً ما يحمّل المطعم المسؤولية، لا السائق ولا المنصة. والأسوأ أن بعض الخوارزميات تفرض على المطاعم خدمة مناطق بعيدة أو غير مجدية اقتصادياً، وكأن القرار يُتخذ آليّاً بلا اعتبار للجدوى.
ولكي نكون منصفين، لابد أن نسأل: لماذا استغنت المطاعم عن سائقيها وسياراتها، واكتفت بالاعتماد على التطبيقات؟ هل ما وفّرته من تكاليف التشغيل عاد عليها بالنفع، أم أن هذه الوفورات ذهبت مباشرة إلى جيوب المنصات وزادت عليها؟ مؤشرات كثيرة تقول إن النتيجة لم تكن في مصلحة المطاعم.
الحل بالنسبة للمستهلك بسيط لكنه فعّال: بدل أن تستخدم التطبيق، أرسل سائقك أو تحرك بنفسك وخذ طلبك. ستوفّر المال، وربما تحصل على ابتسامة وكرم إضافي لا يمكن لأي شاشة هاتف أن تنقله.
التجارب الدولية تثبت أن الوضع قابل للإصلاح، مثل تحديد سقف العمولات فالمشكلة ليست في وجود التطبيقات، بل في تركها بلا ضوابط.
في النهاية، تظل تطبيقات التوصيل شراً لابد منه، لكن يمكن ترويضها بقوانين وتعاون حقيقي، لتكون في خدمة الزبون والمطعم معاً، بدل أن تظل وحشاً يلتهم أرباحهما وجودة تجربتهما.