أحد الأصدقاء اقترح عليّ أن أكتب مقالاً بعنوان «طلبات التوصيل.. هي للزوجة بديل؟»، وهو يقصد – ممازحاً – أن خدمات التوصيل صارت تقوم بالمهام التي كانت، في نظره، من صميم دور الزوجة، لكن اللافت أن كثيرين صدّقوا هذه الفكرة، حتى أصبح غياب بعض الاحتياجات أو تأخرها سبباً في لوم الزوجة، كأن هذا الأمر واجب ملزم لها وحدها!

الحقيقة التي يغفلها البعض أن إحضار احتياجات البيت، من السوق أو المطعم، كان في الأصل من مسؤوليات الرجل في مجتمعاتنا، فالرجل كان يخرج بنفسه، يشتري ما يلزم، ويعود شاكراً وممتناً لمن ينتظره، لكن مع تغيّر الحياة، ودخول المرأة مجال العمل، وانشغال الجميع بوتيرة يومية أسرع، تبدلت الأدوار.

صار من المعتاد أن تتحمل الزوجة هذه المهمة، ثم جاء عصر التطبيقات لينقلها بدوره إلى «سائق مجهول»، لا نعرفه إلا عبر صورة صغيرة على الشاشة.

هنا، تبدأ المشكلة الحقيقية، فالاعتماد المفرط على هذه الخدمات جعل بعض الأزواج يبتعدون تماماً عن المشاركة الفعلية في شؤون البيت. لم يعد الرجل يرى في الخروج لجلب الاحتياجات جزءاً من مسؤوليته، بل تحولت المسألة إلى تقييم للخدمة أو لوم الزوجة إذا نسيت شيئاً أو تأخر وصوله، وكأن دوره ينتهي عند تمويل الطلب.

تبدل الأدوار ليس مشكلة في حد ذاته، فالأسرة كيان مرن، يتكيف مع الظروف، لكن المشكلة حين يتحول الأمر إلى انسحاب كامل من المشاركة، أو إلى مقياس ظالم لمدى «التقصير» أو «الكفاءة» بين الزوجين.

الحل يبدأ من إعادة التوازن.. أن يتذكر الزوج أن إدارة البيت شراكة، وأن الاحتياجات مسؤولية مشتركة، مهما كانت التكنولوجيا متوافرة. يمكن تقسيم المهام بمرونة، مرة يطلب الزوج بنفسه، ومرة الزوجة، وأحيانا معاً، المهم أن يشعر كل طرف بأنه شريك حقيقي، لا مراقب ينتظر الخدمة.

التكنولوجيا نعمة إذا أحسنا استخدامها، لكنها تتحول إلى عبء إذا استبدلنا بها روح المشاركة، فالتطبيق، مهما كان سريعاً، لا يعوض دفء الشعور بأن الطرف الآخر يشاركك عناء البيت وحاجاته.

في النهاية، طلبات التوصيل ليست بديلاً للزوجة ولا للرجل، بل وسيلة مساعدة. أما غياب روح الشراكة بين الزوجين.. فلا يمكن لأي تطبيق أن يوصّله.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Get Appointment

Feel free to contact us and we will get back to you as soon as possible