في حوار مع أحد الأصدقاء حول الحياة خارج الوطن، كان يتحدث أنه عندما يكون خارج مجتمعه لا يفكر كثيراً بنوع السيارة التي يركبها أو اللبس الذي يلبسه، ولا يشغل باله بشكل البيت الذي يسكنه سواء أكان إيجاراً أو تمليكاً، ولا عدد غرفه ومواصفاته، حتى إنه لا يفكر كثيراً في عدد الأولاد ولا جنسهم، وعلى الرغم من أن هذا الصديق لم يرزقه الله إلا البنات غير أنه لم يفكر في إنجاب الولد كما هو الحال في بعض المجتمعات، وبعد حديث طويل حول هذه الأفكار والاختلافات، قال لي إنه بعد أن يعود للوطن سواء بإجازة طويلة أو في الإجازات القصيرة تعود له تلك الأفكار فيبدأ بالتفكير في كل ما يدور حوله كما يبدأ بالاهتمام بتلك الأشياء التي يهملها عادةً وهو خارج وطنه، أيضاً يبدأ بالتفكير في أولاده وما صنع لهم وشكل بيته وإنجازاته المادية، ويتساءل لماذا لا تراوده تلك الأفكار وهو خارج دولته؟ ولماذا يفكر فيها فقط عندما يعود لمحيطه ومجتمعه؟ في الحقيقة، حديث هذا الصديق لم يكن غريباً ولا مستغرباً، فحاله حالنا جميعاً نذهب في سفر فنطلق لأنفسنا العنان، نلبس ما يريحنا ونركب السيارات التي تلبي غرضنا وحاجتنا فقط، وعلى هذا المنوال نتعامل مع الأشياء بالطريقة نفسها والتفكير نفسه، والسبب في كل هذا هو الضغط الاجتماعي، تفكيرنا بمجتمعنا ونظرة المحيطين لنا وماذا سوف يقولون ويفكرون، ونحسب حساب المفاخرة والمكابرة أو ما نسميه «البرستيج» لكل شيء حولنا، وهذا الأمر قد نراه سلبياً في معظم الأحيان، ولكن لو تفكرنا قليلاً لوجدنا بأنه طبيعة بشرية لا يمكن التملص منها، فنحن بطبيعتنا كبشر نحب المظاهر وأن نرسم صورة جيدة أمام الآخرين، وهذا ليس عيباً في مجتمعنا أو بنا، ولكن العيب أن نجعل هذا الأمر هو السبب في هلاكنا واستهلاكنا. نحن نعيش اليوم في دولتنا دولة الإمارات العربية المتحدة الحبيبة، ونصادف أشخاصاً من جميع الجنسيات، ولو قارنّا حال معيشتهم في بلادنا وما يبنونه ويكنزونه ويحضرونه في بلدانهم، لوجدنا الفارق كبير، فالطبيعة البشرية مبنية على التفاخر بقدر معين يختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر، صحيح أن في مجتمعاتنا تظهر هذه الأمور بشكل جلي وواضح، ولكن هذا لا يعني بأننا وحدنا من نفكر بهذه الطريقة، الفرق فقط هو أن مجتمعاتنا متلاصقة ببعضها البعض، وكل شخص يحاول أن يظهر أفضل ما لديه من نِعم وكفاءة وقدرة عالية على بناء نفسه وعائلته وكيانه. المعضلة في الضغط الاجتماعي هو أنه في أحيانٍ كثيرةٍ يربك حياتنا ويؤخر مسيرتنا ويعطل تطلعاتنا، ويحدث هذا فقط إذا جعلنا المجتمع هو معيار وأساس تحديد شكل حياتنا ومستواها دون حساب لمقدرتنا وقدراتنا سواء المادية أو الاجتماعية، في هذه الحالة سيكون ضغط يولد الانكسار ويحول حياتنا لجحيم كوننا لا نفكر إلا بصورتنا وشكلنا أمام الناس فقط، ويجعلنا نتخذ قراراتٍ خاطئةٍ قد ترسلنا خلف القضبان أو تثقل كاهلنا بأعباءٍ نحن بغنى عنها، وفي أحيان كثيرة هذا الضغط وهذا النوع من التفكير في المظاهر فقط يجعلنا لا نقبل بقسمة الله لنا ولا بنصيبنا في الحياة خصوصاً في ما يتعلق بالأرزاق من حيث الماديات أو إنجاب الأولاد. على الجانب المشرق، الضغط الاجتماعي إذا تم استغلاله بشكلٍ صحيح قد يجعل منك شخصاً أنجح وأفضل عن طريق محاولاتك لإثبات كيانك ومكانتك الاجتماعية وقدراتك على صنع الإنجازات، فعلى عكس الصورة النمطية التي نصورها لكل صاحب عقل يخرج من أوطاننا على أنه سيجد من يقدره ويرفع مكانته، هناك الآلاف ممن كان لديهم موهبة أو أصحاب فكر أو رأي وعندما هاجروا من أوطانهم لم يعد لديهم ذلك الشغف بالاستمرار، وعاشوا حياتهم في الظل دون أي إنجاز؛ ونستنتج من هذا أن الضغط الاجتماعي سلاح ذو حدين، أنت من تختار كيف تستغله وتوظفه لصالحك أو يكون آفة بحياتك تدمر به نفسك، فكن صاحب القرار حتى لا تندم بعد فوات الأوان. twitter.com/dryalsharif www.ysalc.ae محامي وكاتب إعلامي