جموع غفيرة من الرجال والنساء تؤدي صلاة التراويح في الحرمين الشريفين، نراها عبر شاشات التلفزة، وكذلك جموع أخرى في صور متفرقة لكثير من المساجد، والحقيقة لا تُكَذّب الصور ولا تجامل واقع مجتمعاتنا التي مازال الكثير منها يحافظ على ممارسة شعائره الدينية في هذا الشهر الفضيل، في الحين ذاته الذي نشاهد فيه هذه الصور، نتذكر ما نشاهده من مقاطع لمسلسلات خليجية تعرض في رمضان، فتستوقفنا لقراءة هذه الفجوة في البعد عن الواقع فيما تصوره تلك المسلسلات عن مجتمعاتنا العربية والخليجية وبين الواقع الفعلي والحقيقي.في كل عام من رمضان، تتنافس بعض الأعمال الدرامية في رذالتها وانحطاط حبكتها وقصتها، وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل تتنافس في ترويج كل ما هو شاذ وغريب ودخيل على المجتمع، وليتها كانت تعرض لنا قضيةً مجتمعيةً بحاجةٍ لعلاج، بل تأتي بالمشكلة لتجعل منها داءً تنشره في مجتمعاتنا، وتصوّر لنا بأن هذا واقعنا وهذا حالنا. مهما حرفنا الحقائق، إلا أن مجتمعاتنا الخليجية مازالت محافظة في الكثير من الجوانب على طبيعتها وخصوصيتها وإرثها الأخلاقي، وفي المقابل تأتي الأعمال الدرامية لتصور لنا أموراً مغايرة، فتجد عملاً يعرض لنا بأن مجتمعنا يركض وراء النزوات والشهوات والراقصات العاريات، ويصور لنا بأن مجتمعاتنا منفتحة في علاقاتها لدرجة الدياثة، نعم الدياثة، لا تستغرب من فظاعة الكلمة، ففي أحد المسلسلات الخليجية يقوم رجل بالطلب من زوجته أموراً فيها من الدياثة الشيء الكثير، فهل صنّاع الدراما يزيدون العيار عاماً بعد عام في جرأة طرحهم وحقارة قضاياهم؟! وما يستوقفني أيضاً تمثيلهم لغياب دور الدولة والحكومة والأجهزة الأمنية والشرطية، في حين أن واقع دولنا يقول غير ذلك تماماً، فالحمد لله لدينا أجهزة أمنية وشرطية متطورة جداً، وكل يوم نسمع ونرى ونقرأ أخباراً عن القبض على مرتكبي الجرائم بعد ساعات من ارتكاب الجريمة، فأين مثل هذه الأمور في المسلسلات الدرامية التي دائماً ما تقلص دور الأجهزة الأمنية في حبكتها الدرامية، وكأننا فعلاً نعيش في غابة بلا رقيب ولا حسيب؟! ناهيك عن الفجوات القانونية، والتجاهل التام لما يستحدث في دولنا من تطورات على المستوى القانوني، الذي يعالج الكثير من المشكلات بشكل استباقي. صنّاع الدراما يبحثون عن قصصٍ غريبةٍ دخيلةٍ عجيبةٍ، في محاولة منهم لخلق عملٍ مثيرٍ، وهم فعلاً يريدون ذلك، يريدون صناعة محتوى مثيرٍ للجدل، تتناقله الألسن، وتعج بالأحاديث عنه منصات التواصل لتخلق له شهرة، فتارة يأتونك بجريمة قتل بشعة، وتارة يأتونك بعلاقات محرمة، ومرة يصورون لك شر الدنيا والدين وقد تجمع في شخص واحد، والمصيبة أننا كنا نشاهد أعمالاً درامية تحاكي الشر والشريرين، لكن كان هناك صراع بين الخير والشر، والخير من ينتصر في النهاية، ولكن هذه الأيام الخير مركونٌ على الرف، فلا حول له ولا قوة أمام قوة الشر، التي غالباً ما يصورونها بذكاء ودهاء لا متناهٍ، حتى يصعب إيقافها أو محاسبتها، وهذا كله وبرمته ليس مشابهاً لا من قريب ولا من بعيد لمجتمعاتنا، بل هو سمر ليلٍ لشخصٍ فارغٍ، أراد أن يملأ الورق بحبره الفاسد.