للأسف نلاحظ في مجتمعاتنا عادة من الصعب تجاهل الحديث عنها أو انتقادها؛ ألا وهي «التقليد»، تقليد الآخرين في أسلوب حياتهم ومعيشتهم وحتى في مستواهم الاجتماعي، وما يحزنني بالفعل أن هنالك الكثيرين ممن يلبسون عباءة غيرهم فقط ليتماشوا مع المجتمع المحيط بهم، وقد سبق أن وصفت هذا الأمر في مقال سابق بعنوان «ضغط يولد الانكسار» يمكنكم الرجوع والبناء عليه، ولكن ما أود التركيز عليه في مقالي هنا هو أن الأمر وصل لتقليد بعضنا البعض حتى في بيوتنا، فتجد الابن يريد محاكاة حياة أبيه بكل تفاصيلها رغم وجود فروقات كثيرة بين الحياتين، وهو ما سأقوم بتسليط الضوء عليه خلال المقال وبيان مقدار احتوائه على العديد من التداعيات السلبية التي قد تؤزم حياتنا بشكل كبير. في كثير من الأحيان نجد الجيل الجديد (خصوصاً عند وصولهم لمرحلة تأسيس عائلة أو بيت كما نسميها) يحاولون تقليد حياة أهلهم في مستواهم المعيشي والمادي سواء في أشياء ضرورية أو رفاهيات، فتجدهم يريدون السكن في فيلا كبيرة مزودة بأفخم الأثاث وأحدث الأجهزة الكهربائية، بالإضافة إلى الخدم والسائقين، وعند السفر تجدهم يبحثون عن البرامج السنوية بأغلى الوجهات وأفخم الفنادق وأعلى درجات الطيران، ولكن دون أن يدركوا بأن كل تلك الأشياء فوق طاقتهم المادية وستحملهم أعباءً ليسوا بقادرين عليها في الوقت الحالي من أعمارهم وحياتهم، وكأنهم قد تناسوا بأن أهاليهم قد عملوا لفتراتٍ طويلةٍ من حياتهم ربما لا تقل عن 25 عاماً ليجمعوا مثل هذه الثروة أو القدرة المادية ليتمتعوا بأسلوب المعيشة والرفاهية التي يريدونها، وليس ضرورياً على الإطلاق أن الحياة ذاتها تكون متوفرة لأبناءهم في مقتبل حياتهم بناءً على قدرتهم المالية، خصوصاً أن الإنسان ببداية حياته عليه أن يؤسسها بحكمة وصبر كي يصل في المراحل المتقدمة منها إلى النتائج التي ترضيه وتريحه. ليس عيباً ولا هناك أي ضرر لك كابن أن تسير على خطى أبيك وتستفيد من تجاربه أو حتى أمواله التي لن يبخل عليك بها، ولكن إياك أن تقفز وتعيش بحياة أبيك كأنها حياتك الخاصة، فتأخذ قراراتك بناءً على وضع أبيك المالي أو مكانته الاجتماعية، فلن يحقق لك الاستقلالية بحياتك الأسرية أو المادية، ولن يدفعك لبناء شخصيتك ومكانتك المستقبلية التي تريدها بالمجتمع، كما أنه سيجعلك تتورط بمصاريف ومشاكل مادية أنت في غنى عنها وسوف تجعل حياتك أصعب ودون استقرار. في كثير من الأحيان يستسهل الأبناء ما يوفره آباؤهم لهم من حياة كريمة تتمتع بالكثير من الرفاهية، فيعتقدون بأنه أمر سهل تحقيقه، ولكنهم لا يعلمون بأن آباءهم بذلوا الكثير من الجهد والمجهود وقطعوا طريقاً طويلاً مليئاً بالكفاح والمشقة والصبر للوصول للمكانة التي هم عليها الآن، وأنت كأب أو كقائد سفينة لأسرتك، عليك أن تخوض المنافسات نفسها وتقطع الطريق نفسه لتحقق نجاحاتك، وتضمن أن تقدم لأبنائك ولأسرتك الحياة الكريمة التي وفرها لك أبوك، وهنا يكون لك الحق أن تواصل السير لتصل لما هو أفضل وأكبر مما وصل له أبوك، ولكن إن اعتمدت في كل شيء على أسرتك، فيوماً ما ستتوقف الخطى وتصبح عاجزاً عن المتابعة في مشوارك وكفاحك. مهما كان الابن قريباً من أبيه، محال أن يعلم كل تفاصيل حياته المادية وكيف يقوم بتدبير شؤون بيته وأسرته، ولن يعلم محاولات الأب المضنية لتوفير الحياة المريحة لأولاده والتجارب الفريدة التي يريدهم أن يعيشوها في حياته، فمثلاً تجده يجمع النقاط من بطاقات الائتمان لحجز تذاكر سفر على درجة «البيزنس» أو «الفيرست كلاس»، أو يبحث عن أفضل الطرق لتوفير رحلة ممتعة لهم، أو يجهز البيت بأفضل الكماليات وفي الوقت نفسه بما يتماشى مع دخله وأوضاعه المالية، كل تلك التفاصيل أنت كابن لن تدركها أو تفهمها إلا لو عشت تجربتك الخاصة المستقلة، فلا تستسهل الحياة ولا تلبس عباءة غيرك حتى لو كان أبوك. محامي وكاتب إعلامي twitter.com/dryalsharif www.ysalc.ae