انتشر قبل أسابيع على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لمرشح الرئاسة الأمريكية جو بايدن في مناظرته مع المرشح والرئيس الحالي دونالد ترامب ويقول الأول جملة «إن شاء الله» ضاحكاً وراداً بسخرية على تعليق ترامب بأنه سيدفع المستحقات الضريبية المترتبة عليه، في إشارة إلى أن هذه الجملة «إن شاء الله» جاءت في موضعها الصحيح والتي تعني أنه «ما راح يدفع» وأن هناك شكاً من قبل بايدن بنية ترامب بالدفع. يمكن النظر لاستخدام بايدن لجملة «إن شاء الله» من جانب سياسي وبأن بايدن أراد إرسال رسالة للعرب سواء نقداً أو تقرباً، ويستخدم هذه الورقة كدعم في حملته الانتخابية التي يميل بعض العرب فيها لصالح ترامب، وربما أراد بايدن أن يرسل رسالة مبطنة للإعلام العربي ويلفت انتباهه، فالإعلام العربي يركز أكثر على ترامب، وبايدن وفريق حملته استخدموا هذه الإشارة ليجذبوا انتباه الإعلام العربي، أو ربما أراد بايدن أن يعيب العلاقة التي تجمع ترامب بالعرب خلال السنوات الماضية، وبأنه تعلم التسويف والتهرب منهم، كل هذا مجرد احتمالات في عالم السياسة المفتوح على جميع الاحتمالات، والمهم أن نفهم جميع الصور والتصورات، فهي من ستبني وجهات نظرنا مستقبلاً. جاءت التعليقات من قبل مستخدمي وسائل التواصل، وأيضاً التركيز الإعلامي، للكيفية التي استخدم فيها بايدن هذه الجملة ليضعها في سياقها الصحيح، فربما وعود ترامب بدفع الضرائب هي نفسها وعود العرب عندما يكون جوابهم «إن شاء الله»، فهل فعلاً تحول معنى هذه الجملة ليصبح بهذا المعنى وهذه الفائدة، ولن أكون ممن يجملون الحقائق أو يحورونها، نعم بالفعل بايدن استخدم جملة «إن شاء الله» بمكانها الصحيح والفعلي، فنحن كثيراً ما نستخدمها، فعندما يدعوك شخص مثلاً للذهاب إليه تقول له «إن شاء الله» ولا تذهب، وعندما يطلب أحد الأشخاص منك أن تأتي على الموعد المحدد فتجيبه «إن شاء الله» ولا تأتي، أو تتأخر عن الموعد، وعندما يطلب منك مديرك أن تقوم بمهمة معينة فترد «إن شاء الله» ولا تقوم بمهمتك المكلف بها، وحتى في قراراتنا الشخصية فدائماً نقول «إن شاء الله» سوف أفعل وفي النهاية لا تفعل، وكأن جملة «إن شاء الله» معناها التسويف أو التهرب من الإجابة الصريحة. حقيقة أن استخدامنا لجملة «إن شاء الله» تفيد بأننا نكذب، خصوصاً لو رددناها مرتين أو ثلاثة بسرعة «إن شاء الله، إن شاء الله» يعني أننا لن نقوم بهذا الأمر، لكن لا نريد أن نعطيك الإجابة الصريحة، وربما أشار البعض لاستخدام بايدن لهذه الجملة وذكروها في منشوراتهم، لكن لم نجد من يحلل أن هذه الجملة ومدلولاتها الفعلية التي أصبحت سمة من سمات شعوبنا العربية، وأصبحت وكأنها طبع شعوبنا في هذه الحياة، ومنهجنا في التعامل مع الآخرين وآثار مثل هذه الصفات على مستقبل سمعتنا. «إن شاء الله» هي حالة من بين الكثير من الحالات التي تعبر عن شعوبنا وطبيعتها، وحقيقة مؤسفة أن نجد من يستخدم جملة «إن شاء الله» وما تحمله من دلالات كبيرة بهذه السطحية والإساءة لشعوبنا، ولا أقصد هنا لوم بايدن، ولكن ما أقصده أن نلوم أنفسنا كشعوب عربية والتي رسخت من فكرة عدم التزامنا والوعود الكاذبة، وعدم الإتقان بالعمل والتأخير المستمر، حتى أصبح البعض يرد عليك عندما تخبره أنك ستكون موجود بعد خمس دقائق، إن شاء الله، فيسألك «خمس دقائق عربية أم أجنبية»، والمعنى واضح بأن الخمس دقائق العربية ربما تكون خمس ساعات. إن دراسة مثل هذه الظواهر البسيطة ربما تأخذنا لمشاكل أعمق وأعقد تعاني منها مجتمعاتنا، وعلينا تغيير النهج وتربية أجيالنا على قواعد جديدة تتناسب مع الرؤى التي نريدها لمستقبلنا، فالمستقبل مليء بالعمل والأعمال والتي تتطلب أن نتعلم فنون المصارحة والوضوح، وفنون الالتزام بالوقت والموعد، وأيضاً فنون أن نعرف قدر أنفسنا، فإذا وجدنا بأننا أصغر من المهمة الموكلة إلينا، فعلينا أن نعتذر عنها، هذه المبادئ وغيرها الكثير يجب أن نعود أنفسنا عليها وأن نؤسس لتربية أجيالنا عليها، وأن نجد لهم الطريقة في التعامل داخل البيت والمدرسة، لكي يصبحوا قادرين على مواكبة متطلبات المستقبل، كي لا تلتصق بنا كعرب سمعة الكذب والتسويف وعدم الالتزام للأبد.