الأسبوع الماضي كنت أصلي صلاة الجمعة في مسجدٍ قريبٍ من إحدى المدارس الدولية ذات السمعة الطيبة المشهود لها بالشدة في تربية الأولاد على نظامٍ ومنهجٍ خاص، وبعد أن خرجنا من المسجد إذ بأطفالٍ يمسكون بسجائر إلكترونية، ليس واحداً ولا اثنين، بل كثر يدخنونها خلال تسامرهم مع أصدقائهم والبنات أكثر من الأولاد، الأمر الذي كان مستفزاً لدرجة أنه دعاني إلى البحث في الأمر وسرعان ما بدأت ملاحظة أن تلك الظاهرة منتشرة في كل مكان. انتشرت في الآونة الأخيرة للأسف ظاهرة السجائر الإلكترونية كموضة يتهافت عليها الجميع بحجة أنها أقل ضرراً من السجائر العادية، وهذا أمر لا يخصني على الإطلاق فما يعنيني هنا مسألة أكبر وأهم؛ وهي انتشار ذلك النوع من السجائر بين المراهقين وطلاب المدارس. ولا تخبرني أنها ليست ظاهرة غير منتشرة، وحتى تتأكد من كلامي كل ما عليك فعله هو الذهاب إلى إحدى المدارس بعد انتهاء اليوم الدراسي، خصوصاً في أوقات ما قبل الإجازة، عندما يطلب الصغار من أهلهم التوجه مع زملائهم وأصدقائهم في «خروجة» لتجدهم ممسكين بسجائرهم الإلكترونية يدخنونها علانيةً دون خوفٍ أو إدراكٍ بخطورة ذلك الشيء، وهذا الأمر لا يقتصر فقط على «خروجة» الأصدقاء، فربما تجدهم يدخنون في كل مكان بالحدائق والشوارع، ولا أستبعد أن يصل الأمر إلى بيوتهم وغرفهم. في السابق كان المراهق يخاف أن يتم فضح أمره بسبب رائحة السجائر الكريهة التي تعلق في الملابس والفم، لكن مع السجائر الإلكترونية أصبح ليس هناك خوف من هذه النقطة، فرائحتها زكية تشبه الفواكه وبعض الروائح الجميلة، فكيف سيتم كشف أمرهم؟ مما يجعلني أتساءل؛ هل المسؤول عن تلك الإشكالية الأهل أم المدارس، أم المحال ومواقع التسوّق الإلكتروني التي تبيع تلك المواد لمن هم دون الـ18 عاماً؟! في الحقيقة تقع المسؤولية على الجميع بما فيهم مؤسساتنا المعنية بتوجيه التنويه والتحذير إلى الجيل الجديد حفاظاً على صحة أولادنا وأخلاقهم وشكلهم بين الناس. ربما يلتزم الكثير من المحال في عدم بيع تلك المواد لمن هم دون الـ18 عاماً، لكن لم يحصل عليها هؤلاء الطلاب مصادفةً أو اخترعوها، بل هناك من يبيعها ويروجها عن طريق التحايل على القانون والنظام سواء بطريقة أو بأخرى، كما أن هناك مواقع إلكترونية تبيعها دون وجود طريقة للتأكد من عمر المشتري، وهذا الأمر بحاجة إلى نظام رقابي قادر على حل تلك المشكلة والسيطرة عليها. أنا لا أعلم مدى مسؤولية المدارس التي تسمح بدخول هذه المواد إلى مبانيها، وربما يقول البعض: هل مسؤولية المدارس التفتيش في أغراض الطلاب؟ وإن كان في خاطري الإجابة بنعم، إنما ليس منطقياً أن أقول ذلك، لكنني مازلت مؤمناً أن واجبها التشديد في إيضاح مسؤوليات وعقوبات حمل تلك المواد داخل المدرسة، وتكثيف الرقابة لضمان عدم استخدامها بالقرب من أسوار المدرسة وخارج بواباتها بطريقة تربوية. وربما لاحظتم أنني قد تركت مسؤولية الأهل للنهاية، فصدري مختنق من الأهالي التي لا تكترث لتهذيب سلوكيات أبنائها مع عدم وضع أي نوع من أنواع الرقابة عليهم أو محاسبتهم، وهذا الأمر ليس مرتبطاً بالسجائر الإلكترونية فقط، بل يمتد إلى كل شيء في حياتهم، لكن أن تصل الأمور لطفل يتمشى في الشارع ويدخن دون رقيب أو حسيب سواء من الأهل أو المدرسة، فهذه مشكلة تستوجب الوقوف عندها وإيجاد حل لها.