انتهت قبل أيام منافسات أولمبياد طوكيو في دورة استثنائية بالنسبة للعرب، حيث سجلت الدول العربية مجتمعة أفضل مشاركة لها في تاريخ الأولمبياد، بتحقيق 18 ميدالية ملونة، بينها 5 ذهبيات، جاءت في 9 منافسات مختلفة، ولأول مرة نرى هذه المنافسة تخرج من حلبات القتال ومضامير السباق والمنافسة لتتصدر أحاديث الشارع ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث شاهدنا أن هناك اهتماماً شعبياً بالمنافسات وأخبارها والاحتفال بأبطالنا وتتبع أخبارهم بشكل لافت، والحقيقة يجب أن تُقال؛ أبطال الأولمبياد مهضومة حقوقهم في العديد من دولنا العربية سواء على مستوى التقدير الحكومي أو حتى على المستوى الشعبي. ما شاهدته من تفاعل مع هذه المنافسة وتصدر أسماء الأبطال عناوين الصحف ومنشورات وسائل التواصل أجده أمراً إيجابياً لتشجيع الشباب على بناء أمجادهم في هذه الرياضات والمنافسة على الذهب في مقبل السنوات، لأن من أهم النقاط التي يجب الأخذ بها للوصول لإنجازات أولمبية عظيمة أن نقوم ببناء الثقة بهذه الرياضات وبمستقبل الرياضيين وبالتشجيع والدعم الذي يتلقونه من الاتحادات الرياضية ومن الإعلام الذي ربما لم يخصص للأبطال مساحات كافية ليكونوا نجوماً بارزين ويكونوا قدوة للأجيال من بعدهم، فتقدير الرياضي وتقدير إنجازاته أكثر ما يريده ويطلبه كل رياضي، وهذا ما يفتقده كل شاب عندما يقرر خوض غمار التجربة في رياضة معينة عدا كرة القدم. ما لفت انتباهي أيضاً في هذه الدورة هو وجود نماذج نستطيع أن نقول بأنها فازت بالذهب واعتلت التتويج بمجهودها الشخصي وبشغفها باللعبة، ولا أتحدث عن اللاعبين العرب فقط إنما عن اللاعبين من مختلف دول العالم، تدربوا بأنفسهم مارسوا شغفهم برياضة معينة وجعلوا من أنفسهم أبطالاً، وقد شاهدنا بعض اللاعبين الذين استغلوا وقت جائحة «كورونا» عندما أغلق العالم أبوابه وأغلقت الأندية صالاتها تدربوا في بيوتهم ليكونوا مستعدين للمنافسة، وهذا الأمر أجده محفزاً بشكل كبير ويجب أن نبحث عن هؤلاء ليكونوا أبطالنا في المستقبل. قبل أربع سنوات كتبت مقالاً عن الأولمبياد وكيفية صناعة بطل أولمبي يرفع علم دولته ويحصد الذهب، وحينها وضحت حجم الأموال التي تصرف على اللاعبين في تدريبهم وتجهيزهم ليكونوا أبطال الألعاب الأولمبية، ولكن ما هو مختلف في طوكيو هذه المرة أن الشغف كان حاضراً وبقوة، كان حب الفوز والإصرار أقوى من جميع التجهيزات، ونحن بحاجة لهذا الشغف لنعتلي القمم في مختلف المسابقات ليس فقط الأولمبياد، والمشكلة أن الشغف لا يصنع بل يولد ولهذا علينا أن نبحث عن هؤلاء الشغوفين هؤلاء الطامحين الذين يحبون لعبتهم ولكن معظمهم يحبطهم قلة الاهتمام، في ظروف صعبة تمر بها عديد من الدول العربية، فيتنازلون عن أحلامهم وينسون شغفهم فتنساهم رياضتهم، هم موجودون في صالات وأندية مغمورة صغيرة ضعيفة يجب علينا أن ندعمهم ليكبروا ويصبحوا أبطالاً نفخر ونتفاخر بهم. لم يتوّج أي من لاعبي دولة الإمارات بأي ميدالية في هذه المنافسة، وقبل أربع سنوات كنت قد دعوت لأن نكون جاهزين لطوكيو بشكل أكبر وأكثر فعالية، واليوم نعيد الدعوة إلى أن نكون موجودين بشكل أفضل في المسابقات المقبلة، وهذا الأمر أجده لا يحتاج لمعجزة ولا يحتاج لعمل ساحر؛ إنما يحتاج أن نطوّر من أنديتنا واتحاداتنا الرياضية لتكون قادرة على المنافسة، وأن نشجع شبابنا وأبطالنا ليكونوا على قدر عالٍ من الجاهزية في مثل هذه المسابقات، ولعلي أجد أن الإعلام، وخصوصاً الإعلام الرياضي، كان يمكنه أن يقدم أكثر لأبطال الألعاب الأولومبية، والحمدلله نحن نمتلك قنوات تلفزيونية وبرامج إذاعية وأيضاً صحفاً وملاحق رياضية ومجلات ولدينا منصات رقمية معنية بالرياضة وأخبارها وقصصها، وأجد أنه من الضروري أن نعطي مساحة كافية للعديد من الرياضات بخلاف رياضة كرة القدم وبعض الرياضات التي تنال معظم الاهتمام الرياضي. صحيح أننا نحتاج إلى وقت لبناء فرق وأبطال ينافسون عالمياً، ولكن هدر الفرص مرة تلو المرة يفقدنا الكثير من الوقت للوصول لهدفنا، ولهذا يجب أن لا نستهين بالوقت وأن نبني منظومة رياضية قادرة على المنافسة بالشكل الذي يليق بدولتنا، وأنا متأكد بأننا نملك الأبطال هناك سنجدهم في المدارس في النوادي في الفرجان في البيوت سنجدهم خلف الشاشات ينتظرون الفرصة ليحملوا علم وطننا ويرفعونه عالياً، لا ينقصنا شيء سوى البحث عنهم؛ أبطال المستقبل. بعض العرب نجحوا في طوكيو وتحقق ما لم نحققه من قبل، وكان الذهب والتتويج حليف المجتهدين، وهذا درس وتقدم كبير، وبرأيي أنها خطوة جيدة ستزيد من فرصنا المستقبلية، ويجب أن نستغل هذه الحالة لنجهز أبطالنا القادمين، وأنا جداً سعيد بالاهتمام الرسمي للأبطال الفائزين فمصر ستسمي بعض الميادين بأسماء الأبطال وفي بعض الدول ستصرف لهم مكافأة كبيرة، وهذا حقهم ومن الواجب أن نشجعهم ليكونوا مثالاً يحتذى به في المستقبل، وفي النهاية نبارك لجميع الأبطال العرب، ونأمل منهم المزيد، ونقول لكل مجتهد سيأتي الوقت الذي تحقق فيه الحلم، فقط استمر وحقق الهدف.