نقابل في حياتنا الكثير من الأشخاص الذين دائماً ما نجدهم يحاولون بشتى الطرق الانتصار لرأيهم، ومهما حاولت أن تدخل معهم في جدال سطحي أو حوار فكري، إلا أنك لن تجد منهم إلا إصراراً على أن رأيهم هو الصواب، فأنت مَنْ لكي تجادلهم؟ هم لا يجدون في أفكارهم إلا القداسة وأنها لا تقبل أو تحتمل المساس. والطامة أن هؤلاء يريدون من الجميع السكوت، فلا صوت يعلو على أصواتهم، ولا عقل يمكن له أن يتفوق على عقولهم، هذا الصنف عندما يجد نفسه سيخسر المعركة تراه يقفز من النافذة إن لم يتمكن من رميك منها أولاً، ولا أن يترك لك المجال بأن تنتصر لفكرك أو لأطروحتك أو حتى لعلمك أو عملك وإبداعك في مواجهته أو حضرته. هؤلاء محطمو المبدعين وكاسرو هامات الطامحين، ومبعثرو حروف الكاتبين، لا يجيدون إلا فن النقد والانتقاد، وليس الأمر هكذا فحسب، بل يعملون على الانتقاص من أي شيء ليسوا مالكينه أو فاعلينه، وهذا الأمر لا ينم إلا عن جهلهم بقيمة أعمال غيرهم، وعدم ثقتهم بأنفسهم وبقدراتهم. غالباً ما يكون هؤلاء قد استقوا فهمهم هذا من مدرستهم الأولى التي نشّأتهم على فكر الأحادية المطلقة، والتي تعني أن رأييّ هو الصواب وما دونه خطأ، وهذا ما لحظناه وعهدناه من اتجاهات وتوجهات لبعض الجماعات الدينية والفكرية، والتي تمنع أتباعها من مجادلة ومناقشة مرشدهم أو «أميرهم» ورئيس حزبهم وجماعتهم، معتبرين هذا الشخص مُقدس ويفهم بكل شيء. في كل شيء على هذه الأرض، حتى ولو كان أحد الموجودين متخصصاً في علم معين، إلا أن «أميرهم» يفهم أكثر منه، ورأيه فيه مصداقية أكبر من جميع العلوم والنظريات، وكل من هم دونه لن يصلوا لمرتبته مهما فعلوا واجتهدوا. «العلامة الأوحد»، كما أحب أن أسميّه، هو من يعتبر نفسه فريد زمانه، ومهمته في هذه الحياة هو نقد كل شيء يمر تحت يديه، إن قرأ شعراً، قال: هذا ليس بشعر، وإن قرأ رواية، قال: هذه ليست رواية، وإن قرأ مقالاً، قال: أين المقالة من هذا؟ وعندما تفتش في منجزاته وإنجازاته، تجده خالي الوفاض لا يملك أي إنجاز، وكيف يُنجز مثل هذا ومهمته هي تحطيم منجزات الآخرين، فصاحبنا «لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب» – كما يقال – وكلما مرت من أمامه معلومة لا يعرفها. فبدلاً من الاعتراف بأنها معلومة مكتسبه وفرصة لأن يتعلم منها، فتراه يرفضها ويرفض صاحبها، ربما يحق له ذلك فصديقنا «العلامة الأوحد» موسوعة «ما شاء الله عليه» وباستطاعته المقارنة والتحليل والاستنتاج، وغيره لا تحق لهم كل هذه الامتيازات، ويجب عليه تكسير مجاديفهم حتى يبقى وحيداً في الساحة؛ هكذا يعتقد هو وعلى أساس ذلك يتصرف. إن أمثال هؤلاء قلوبهم سوداء ونفسيتهم مريضة، فهم لا يريدون الخير لأحد غيرهم، إلا أننا اليوم نعيش في عالم متسع المدارك، ولا يمكن لأي شخص أن يكون علامة في جميع المجالات، ولا يمكن لشخص أن يمتلك المعرفة المطلقة في كل شيء، خصوصاً أننا في عصر سريع التطور ويمضي للأمام بسرعة، فلماذا ما زال أغلب هؤلاء متمسكون بمعلوماتهم التاريخية. ولا يرون في غيرها شيئاً من الصحة، وعندما تحدثهم في المنطق والنظرة المستقبلية والتطورات القادمة والتغييرات التي نعاصرها أو سنشهدها، تجد بأن كل هذه الإنجازات بالنسبة لهم «وَهْم»، فمن لا يعرف قصص التاريخ التي يحفظونها ويرددونها على مسامعنا كل يوم هم جهلة مهما كانت درجاتهم العلمية؛ هذه النظرة القاصرة جعلتنا لا نقدر الكثير من الأشخاص حق تقديرهم، أو نعطي القيمة لمن يستحقها. بهذه المناسبة أقول لهؤلاء أن يكفوا عن مثل هذه الممارسات، فلم نعد في عصر الوصاية الفكرية، ويوماً بعد يوم فإننا نخرج من عباءة هذه الوصاية بكافة أشكالها وأنواعها، فلا تحجروا على الناس أفكارهم، ولا تحجروا على الناس تصرفاتهم، لأن أمثالكم قد اندثروا مع فكر الطائفية والأحزاب، التي تمنع أتباعها ومريديها أن يقرؤوا لغير ما يكتب أنصارهم، أما من خالفهم فلا تجوز القراءة لهم أو متابعة ما ينتجون، لأنه من حزب معاد لحزبهم. أقول لهؤلاء وأمثالهم، إن سياسة تعتيم العقول قد ولى زمانها وراح، والناس من شرهم في ارتياح، فنرجو ألا يكون فكر المخالفين لهم يتبع منهجهم لكي لا نقول إنهم أصلاً خريجو مدارسهم وننعتهم بالتستر والتقية من سلطة غلبتهم على أمرهم. وفي النهاية، فإن صاحبنا «العلامة الأوحد» تجده في كل مكان من حولك، في وسائل التواصل الاجتماعي، في مجموعات «الواتساب»، في حياتك العملية، وأيضاً في حياتك الاجتماعية والأسرية، عندما تجدونه، أرسلوا له مقالي هذا وأخبروه بأن هذه مقالة واقعية، وبأنني أقصده بعينه ليراجع نفسه، فمهما أظهر الناس احترامهم له، إلا أنهم من بواطنهم ودواخلهم يعرفون حقيقته الزائفة، وسيأتي اليوم الذي ينكشف فيه، مهما لمّع من نفسه؛ لأن الجمال جمال الروح والمخبر، لا جمال القالب والمظهر.