تعزيز الهوية الوطنية في الإعلام الرقمي ليس مجرد عملية إبراز للأصول الثقافية والتاريخية فحسب، بل هو جهد فلسفي عميق يهدف إلى الحفاظ على القيم الجوهرية للدولة وحماية نسيجها الاجتماعي والثقافي. إن الإعلام الرقمي في هذا السياق يتجاوز دوره التقليدي ليصبح أداة فاعلة في مواجهة التحديات الفكرية التي تنشأ نتيجة تغلغل بعض الأفكار الهدامة التي تستغل الفضاء الرقمي، سواء من خلال الذباب الإلكتروني أو الحملات المنظمة لزرع الفتن.
الفلسفة الكامنة خلف تعزيز الهوية الوطنية في الإعلام الرقمي تقوم على مبدأ أن الهوية ليست فقط مجموعة من القيم والأعراف، بل هي مقاومة نشطة أمام التشظي الفكري الذي يسعى إلى إحداث خلخلة في بنية الوحدة المجتمعية.
ففي عالم أصبحت فيه المعلومات والأفكار سريعة التداول، تحتاج المجتمعات إلى تعزيز إطارها الثابت الذي يستند إلى المبادئ الوطنية الصلبة، ليكون ركيزة لمواجهة تيارات فكرية فاسدة قد تتسلل من خلال الذباب الإلكتروني.
الذباب الإلكتروني الذي يستخدم التضليل والتحريض لإشعال الفتن، يعتمد في قوته على استهداف الضعف الثقافي والفكري لدى بعض الأفراد. هنا يأتي دور الإعلام الرقمي الموجه لتعزيز الهوية الوطنية، حيث يمكنه تفكيك الروايات المضللة وكشف زيفها، عن طريق تعزيز الوعي الجماعي وإنتاج محتوى يُرسخ القيم المشتركة ويحارب التقسيم، فالإعلام الرقمي ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو جبهة فكرية تعتمد على نشر الخطاب الصحيح الذي يدحض الشائعات ويفكك الخطابات المسمومة.
إسهام هذا النوع من الإعلام لا يكون فقط بردع المحاولات المضللة، إنما أيضاً في تعزيز الانتماء العميق إلى الوطن، ما يجعل الفرد محصناً ضد محاولات استغلاله عاطفياً أو فكرياً.
حين يزداد وعي الفرد بجذوره وقيمه، يصبح أقل تأثراً بمؤامرات تستهدف تفكيك هذه الجذور، ويتحوّل إلى عنصر فاعل في الدفاع عن هويته وعن وحدته الاجتماعية.
بهذا المنطق، يمكن القول إن تعزيز الهوية الوطنية في الإعلام الرقمي، أداة حضارية للدفاع عن المجتمع وحمايته، وعملية مستدامة تحافظ على تماسكه واستمراريته في مواجهة الفكر الهدام.
twitter.com/dryalsharif
www.ysalc.ae
محامٍ وكاتب إعلامي