مع بداية موسم رمضان الدرامي، يكثر الحديث هنا وهناك حول قصة المسلسل الفلاني، وهدف المسلسل العلاني، والعديد من الأخبار حول هذا وذاك، ولا يهمني شخصياً هذا الأمر، فلست ناقداً درامياً ولا متخصصاً في هذا الجانب، وكل ما يهمني هو دراسة الحالة العامة لهذه الأعمال، ومحاولة ربطها ببعضها البعض، لتتشكل صورة أكبر وأشمل أسميها التوجه العام لهذه الأعمال وتأثيرها على مجتمعاتنا سلباً وإيجاباً. خلال السنوات الماضية ظهر لنا نوع جديد من الدراما العربية، نوع ليس جديداً على الدراما بشكل عام، لكنه جديد على أعمالنا العربية، وأقصد الدراما الحربية والعسكرية أو حتى الدراما الأمنية، حيث دخلت الدراما أدراج الضباط وتوسعت لتصل لملفات الأجهزة الأمنية. الدراما في كثير من الأحيان يكون تأثيرها كبيراً جداً فهي تحاكي شخوصاً وشخصيات، ومثل هذا التوجه أراه مناسباً وفي مكانه وتوقيته الصحيح لتصحيح مسار مجتمعاتنا التي انحرف طريقها عن مساره الصحيح خلال فترة سابقة، حيث عبث بأفكارنا الإرهاب وتغلغل في مجتمعاتنا نوع من التطرف. عندما تدخل الدراما وتحكي لنا قصصاً عن أبطال وجنود، قادة ضحوا من أجل سلامة مجتمعنا، نجد في ذلك فائدة كبيرة لبيان الحقيقة، وبيان الدور الكبير الذي قامت به أجهزتنا الأمنية والاستخباراتية والعسكرية في مختلف الدول العربية لمواجهة التطرف والإرهاب خلال سنوات ما بعد «الخريف العربي»، وبيان كيف استغلت بعض الجماعات والأحزاب الإرهابية حالة الفوضى لنشر أفكارها وتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية والتي كان ضحيتها العشرات من أبناء أوطاننا، وتركت آثاراً سلبية على مجتمعاتنا، واليوم ها هي الدراما تكشف المستور وتطرق أبواب هذه الأحداث بمنهجية وتوجه واضح يراد من خلاله فضح هذه التنظيمات وكشف مستورها وتعريتها أمام الجميع. إن ما تسلكه الدراما اليوم أراه تحدياً مهماً سيجعل مجتمعاتنا ترى الحكاية من زاوية أشمل وأكبر، ودخول هذه الأعمال الفنية ساحة الحرب في مواجهة الإرهاب والتطرف ومحاكاتها للصراعات الإقليمية سيكسبنا نقطة في حربنا على الإرهاب، فتأثير الدراما لا يكمن في حدود الفرجة أو الاستمتاع بالعرض، إنما يترك انطباعات كبيرة لدى المشاهدين، وهذا ما نريده لتشكيل وعي مجتمعي في نبذ الإرهاب وجماعاته وأحزابه ومؤيديه ومفتيه ومن هم مقتنعون بأفكاره وسلوكياته. من وجهة نظري أن الدراما العربية، وخصوصاً المصرية، باتت مشروعاً وطنياً يخدم التوجهات العامة في تشكيل ردة فعله تجاه الإرهاب، واستخدام الدراما كوسيلة لتحقيق الانتصار المجتمعي ضد الإرهاب وأفكاره التي قد تتواجد في أي مكان وفي مخيلة أي إنسان هنا وهناك، وهذا حق مشروع ورؤية جيدة تسلكها الجهات المعنية لتنفيذ خططها البناءة في تحصين المجتمع وحمايته من الأفكار الهدامة. الدراما خدمت الكثير من الحكومات حول العالم، ولعلنا نرى كيف كان تأثيرها على المجتمع الأمريكي عندما استخدمته الحكومة لتشجيع الناس في الدخول والانضمام للجيش، وذلك من خلال الشخصيات الخارقة والأفلام البطولية، وفعلاً تم تحقيق الهدف، واليوم عندما نشاهد الدراما العربية لديها توجه واتجاه محدد، نرى بأنها على الطريق الصحيح لتقدم نفسها كوسيلة فعالة لحماية المجتمع وتحصينه. تبقى الدراما وسيلة فعالة لبناء وعي مجتمعي معين وتحسينه، وعلينا أن نستغل هذا الأمر في تشكيل ما نريده من خير لمجتمعاتنا، حينها تكون الدراما مشروعاً وطنياً ناجحاً. في الحقيقة ما زالت أعمالنا الدرامية الخليجية لم تطرق هذه الأبواب بشكل صريح، وإن كان هناك محاولات هنا وهناك، ولكن هذا لا يكفي، بل علينا تبني استراتيجية معينة لنصارح فيها مجتمعاتنا في ما كان يثار وما كان يخطط له للنيل من دولنا واستهداف مجتمعاتنا، والدراما قادرة على تناول هذه القصص بشكل راقٍ نصل من خلاله للمحافظة على مكتسباتنا في دحر الإرهاب وتفكيك أحزابه ونبذ أفكاره وتصرفاته.