منذ بروز تطبيقات التواصل الاجتماعي وحتى الآن، ظهر لنا الكثير ممّن يمارسون الفتاوى الطبية أو الصحية، فمنهم من يتكلم عن تجربته الشخصية، ومنهم من يُفتي بناءً على تجارب والدته، وآخرون يُفتون بجهالة مطبقة، وفئةٌ أخرى ينصّبون أنفسهم مكان الجهات الصحية، فتارةً يحذّرون، وتارةً يشكّكون، وأخرى تجدهم خبراء يُملون على الناس تصرفاتهم وسلوكياتهم الصحية، وليت الأمر بقي على ذلك، بل تعدى هذا كله لتجد البعض منهم يصفون أدويةً وعلاجات وممارسات صحية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى في مجموعات تطبيق الـ«واتس أب»، صحيح أن هذا الأمر ليس بغريب على مجتمعاتنا التي دائماً ما نجد فيها من يوصي بأدوية وعلاجات، أو يقوم بتوزيع بعض الأدوية والمضادات الحيوية لأفراد العائلة وبعض الأصدقاء والمعارف وزملاء العمل بناءً على تجارب سابقة دون أدنى اتّباع لمعايير السلامة ودون خبرة، ولكن أخذاً بمبدأ «اربط صبعك وكل من ينعت لك دوا»، إلا أن ما تغيّر في الآونة الأخيرة أننا بتنا أمام حالة يمتهن فيها البعض هذه الممارسات ويُصدرون فتاواهم ونصائحهم الطبية دون حسيب أو رقيب. كما كثر في الآونة الأخيرة مدربو الصحة واللياقة وخبراء التخسيس ومروجو أدوية التقوية الجنسية، فبخلاف وجود مئات الآلاف من المنشورات والحسابات التي تروّج لهذه البرامج والعلاجات، ووجود من أصبحوا أصحاب هذه المهنة إلكترونياً، تجد أن هناك مافيا من الذباب الإلكتروني ينشرون ملايين المنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ذلك بخلاف حملات الإعلانات المشبوهة التي ما إن تفتح موقعاً عبر الإنترنت حتى تنهال عليك من كل مكان دون حسيب أو رقيب عليها. بالإضافة إلى كل هذا وذاك، نجد أن هناك من يمارس دور المرشد أو الطبيب النفسي أو المتخصص بالعلاقات الزوجية ممّن يقدمون استشاراتهم ونصائحهم لمرضاهم ومتابعيهم عبر وسائل التواصل دون أن يكون لديهم أية رخصة أو شهادة لمزاولة هذه المهنة الصعبة والمعقدة، التي تتطلب الصدقية والأمانة وحفظ الأسرار، في حين أن معظمهم مجهولو الهوية يتسترون خلف حساباتٍ وهمية، وإن كانوا في الحقيقة أشخاصاً مؤهلين وحقيقيين، لكن ممارسة هذه المهنة بهذه الطريقة دون وجود اشتراكات تنظيمية يخلق الكثير من المشكلات، خصوصاً في ما يتعلق بسرية المعلومات الخاصة بالمرضى، إذ نجد أن هناك من قد يستغل هذه المعلومات لمصلحته دون أي خوف، وذلك بسبب عدم وجود آلية لمحاسبتهم ومعاقبتهم. الأمر لم يعد مقبولاً، وقد بات يخلق الكثير من المشكلات، خصوصاً أننا قد جرّبنا أثناء جائحة كورونا ما آلت إليه هذه الممارسات، وشاهدنا مدى انتشار هذه الآفة في أوساطنا الرقمية ومجالسنا المجتمعية، ومن الضروري بمكان التصدي لها بطريقة مُحكمة ومحاسبة كل من يروّج لممارسات صحية دون أن يكون شخصاً مزاولاً للمهنة حاصلاً على تصاريح لنشر أفكاره وآرائه الطبية أو الصحية على وسائل التواصل وشبكة الإنترنت، هذا بخلاف تكثيف حملات التوعية بهذا الجانب، خصوصاً أن هناك حالة من عدم الاستقرار الصحي في العالم بعد ظهور حالات منتشرة لجدري القرود، فلا نريد من يُفتينا بالفتاوى الطبية التي تجلب لنا الذبحة الصدرية. • هناك مافيا من الذباب الإلكتروني ينشرون ملايين المنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.