اتجهت أنظار العالم خلال الفترة الماضية نحو دول الخليج العربي، وذلك لاحتضان المملكة العربية السعودية قمة جدة للأمن والتنمية، التي حضرها الرئيس الأميركي جو بايدن، وزعماء دول مجلس التعاون الخليجي، وكلٌ من مصر والأردن والعراق، والحقيقة يجب أن تُقال: إن الأنظار اتجهت نحو دولنا قبل الزيارة بأشهر، خصوصاً مع ارتفاع أسعار البترول عالمياً، وترقب عالمي لنتائج زيارة الرئيس الأميركي، ومحاولته زيادة إنتاج البترول في دولنا، ولكن محاولته لم تنجح لكون دولنا ملتزمة بعقود والتزامات «أوبيك» و«أوبيك بلس»، وبعد كل ما أثير حول الزيارة ونتائج البيان الختامي، فمن هو يا ترى الرابح الأكبر؟! بوجهة نظري أن دولنا الخليجية هي الرابح الأكبر في هذه المحاولة السياسية الأميركية، فقد صرّحت المملكة العربية السعودية بأنه لا توجد أي خطة لزيادة إنتاج النفط، وهذا ما صرحت به الإمارات من قبل، فنحن في هذا الملف نعمل مع شركاء دوليين ومنتجين عالميين، لدينا اتفاقيات معهم وملتزمون بمبدأ العرض والطلب والحاجة العالمية للنفط، وهذا الأمر ليس مرهوناً بأي اعتبارات سياسية، ومحاولة الرئيس الأميركي أن يخفف من وطأة التضخم الحاصل في أميركا والغضب الشعبي هناك، لا يمكن حلها بمثل هذه الزيارة، خصوصاً أنها لم تحمل أي اتفاقيات واضحة، وإنما جاءت لتؤكد مكانة دولنا كشريك لا يمكن الاستغناء عنه عالمياً. ما شاهدناه من تلاحم وتآخٍ وعلاقات أخوة وصداقة بين قادة دولنا الخليجية والعربية، خصوصاً بعد أن تم تداول مقاطع وصور لضحكات ومزاحات وتصرفات عفوية في ما بينهم، يؤكد متانة العلاقة بين دولنا وشعوبنا، وهذه النقطة تحديداً أجدها من أفضل مكاسب القمة، فقد أظهر لنا قادتنا أنهم على قلب رجل واحد، وأن ما يجمعهم من صداقة وعلاقة أخوية هو ما يربطنا ويجمعنا كشعوب ومجتمعات، ورغم أن تصرفاتهم جاءت عفوية وبعيدة كل البعد عن الترتيبات البروتوكولية، إلا أنها جاءت في وقتها ومحلها، بوقتها بأن ترسل للعالم وهو يوجه أنظاره نحونا بأننا متلاحمون بقضايانا وبقراراتنا المشتركة، وبمحلها نظراً لاجتماع الجميع في المملكة العربية السعودية، ونحن نجد فيها الأخ الكبير، نظراً لمكانتها المتميزة لدى الكل. ومن بين مكاسب القمة، أجد أن التركيز على تأثير دولنا في قطاع الطاقة العالمي أمرٌ مهمٌ يكسبنا كدول قوةً اقتصاديةً وقوة ناعمةً، تعطينا الدفع للتنمية المستقبلية التي نريدها، وأيضاً من خلال الكلمات التي ألقاها القادة في هذه القمة، ومن خلال البيان الختامي، فنحن كدولٍ خليجيةٍ، مازلنا ملتزمين بالانفتاح على العالم والتعايش السلمي مع الجميع، ونؤكد مرة أخرى أننا رعاة سلام، وأن مجتمعاتنا ودولنا هي الصورة المثلى للتعايش والسلام المجتمعي، خصوصاً أنها تحقق مراكز متقدمة في الأمن والأمان. دولنا ومجتمعاتنا هي الرابح الأكبر بلاشك من هذه القمة، وانعكاسات هذه القمة ستستمر لسنوات، خصوصاً أن دولنا تؤكد يوماً بعد يوم أن الشراكة معها في جميع الجوانب فيها المنفعة المتبادلة، وسنجد الكثير من الدول تتخذ من تعاطينا مع هذه القمة أسلوباً ومنهجاً للتعامل معنا للمحافظة على العلاقات الطيبة بنا وبشعوبنا، ليست مكابرة، وإنما حق مشروع بأن نعترف بحجم قوتنا وتأثيرنا، وأن نطلب من الجميع معاملتنا بالمثل، وقمة جدة كانت خير دليل. مازلنا ملتزمون بالانفتاح على العالم والتعايش السلمي مع الجميع، ونؤكد مرةً أخرىً بأننا رعاة سلام.