من يعتد على القلق يجد الطمأنينة وكأنها كمين، فالعقل الذي استمر طويلاً في تفسير كل ما حوله بعين الحذر والخوف، يجد في السلام النفسي حالة غير مألوفة تستدعي الشك. هذا الشخص الذي تتشكل عنده عُقدة القلق، يرى في كل محاولة للسكون خدعة تنتظر أن تُسقطه في فخ أكبر، وقد تكون هذه العقدة نمت منذ طفولته، حينما كانت الأحداث من حوله تتراكم بطريقة لم يجد فيها ملاذاً آمناً، فصار ذهنه مستعداً دوماً لردود الفعل الدفاعية، حتى وإن كانت غير مبررة.
إن العيش مع القلق المستمر هو حالة متناقضة، فمن جهة يسعى الفرد إلى الشعور بالأمان، ومن جهة أخرى لا يثق بأي محاولة للهدوء أو الراحة، ويجد نفسه دائماً في وضع الهجوم قبل أن يتحقق من موقف الآخرين، سواء كانوا أصدقاء أو أعداء، وكأن الحياة تحولت إلى معركة دائمة، حيث يصبح الدفاع المستمر السبيل الوحيد للبقاء.
مَن يعانون هذه الحالة النفسية يجدون أنفسهم في مواقف تفسّر كل شيء بأنه ضدهم، حتى في أبسط التفاصيل اليومية.. يعيشون في دائرة مغلقة، تحاصرهم أفكار المظلومية، ويستمتعون بلعب دور الضحية، لأنه يعطيهم شعوراً بالتميّز والشرعية، على الرغم من أن هذه الأدوار تزيد من عمق مشاعر الخوف وانعدام الثقة بالآخرين.
الأمر الأكثر صعوبة في هذه الحالة أن الشخص قد لا يُدرك أنه يعيش في ظل هذه المعتقدات، ويصعب عليه التفريق بين الخطر الحقيقي والخيال المصطنع، وقد يرى أن كل محاولة للتقرب منه أو دعوته للهدوء هي مؤامرة معدّة مسبقاً للإيقاع به، والنتيجة أن الطمأنينة التي يجب أن تكون الهدف النهائي للحياة، تتحول في عقله إلى فخ يُنصب له على حين غرة.
إن علاج هذا النوع من القلق المزمن يبدأ أولاً بالاعتراف بوجوده، يجب أن يتعلم الشخص أن هناك حالات حقيقية للأمان والسلام لا تحمل خلفها أجندة خفية، ومن هنا يبدأ طريقه إلى الطمأنينة، ليس باعتبارها كميناً، بل كحق مشروع لكل فرد يحتاج إليه ويستحقه، ومن خلال تغيير نمط التفكير تدريجياً وتعلّم الثقة بمن حوله، يمكن للإنسان أن يتحرر من سطوة الأفكار السلبية التي تحاصره، لكن هذه الرحلة تتطلب الصبر والمرونة، وإدراك أن الحياة ملأى بالفرص الحقيقية لتحقيق السلام الداخلي، بعيداً عن تلك المخاوف التي لا أساس لها.