أعجبني تفسير أحد المفكرين حول ماهية الصلاة، والهدف الدنيوي من هذه العبادة العظيمة، حيث فسرها بأنها جاءت لتعلمنا الالتزام، كون أن لها وقتاً معيّناً يجب علينا أداؤها فيه، وضمن فترات زمنية محددة ومتكررة، والحقيقة وبصرف النظر عمّا إذا أصاب هذا المفكر كبد الحقيقة من عدمه، فمن وجهة نظري أن العبادات جميعها لها أهداف دنيوية كثيرة، ويكاد يكون للصلاة وحدها العديد منها، ومن ضمنها تعليمنا معنى الالتزام فضلاً عن الغاية الغيبية التي فرضها الشارع الحكيم. إن كانت الصلاة جاءت لتعلمنا الالتزام، فللأسف الكثير منا لم يتعلم الدرس، ولم يدرك الفوائد العظيمة التي كان سيجنيها لو طبق هذا الدرس الرباني؛ مجتمعاتنا العربية باتت مشهورة بعدم الالتزام وكأنها سمة عامة لنا جميعاً، فتجد عندما تعطي شخصاً موعداً معيناً يقول لك «لا يكون الموعد عربي» ويقصد بذلك مدى التزامك بهذا الموعد، وإذا أخبرك شخص بأنه خلال خمس دقائق سيكون حاضراً أمامك، فاعرف أن الخمس دقائق هذه قد تصل لخمس ساعات، وهذا الأمر ينعكس على جميع تعاملاتنا الشخصية أو العملية، والمصيبة أننا نعلمه لأجيالنا من خلال أفعالنا، أما أقوالنا فتنظيرية من الدرجة الأولى، فمعظمنا غير ملتزم أساساً بمواعيده مع أسرته وشؤونها، ولا تجد في بيته أي معنى للالتزام سواء بمواعيد النوم ولا حتى مواعيد الاستيقاظ، ولا تجد أياً من مظاهر الالتزام بواجبات الأسرة ولا بسياسات الترتيب والتنظيف، فتجد الأولاد قد اعتادوا العشوائية في كل شيء وأصبحت هي الأسلوب المتعارف عليه دائماً. الالتزام قيمة مهمة لإنجاح أي شيء، فإذا أردت النجاح في أمر ما، فعليك أن تلتزم بخطة عمل واضحة لتصل إلى النجاح، وإذا أردت إنجاح مشروعك، فعليك أن تلتزم بالجودة، وأن تلتزم بالإيفاء بوعودك تجاه عملائك، وإذا أردت أن تصنع شيئاً ما، فعليك أن تلتزم بالإتقان في هذه الصناعة حتى يكون منتجك مطابقاً لمواصفات معينة، وفي أبسط الأمور عندما تقطع على نفسك عهداً فعليك الالتزام بالإيفاء بهذا الوعد، كما أننا نطلق لقب «ملتزم» على الشخص الملتزم بتعاليم دينه وأخلاقيات مجتمعه في تصوير جميل لفوائد الالتزام، لأن المجتمع له قواعده الأخلاقية التي يجب أن نلتزم بها ونتبعها. إذا دققنا في خلق الله وصنعه لهذا الكون، نجد الالتزام في كل شيء، لا الليل سابق النهار، ولا كوكب يسبق الآخر.. كلٌ في فلكٍ يسبحون، كل شيء ملتزم بنظام وتوقيت معين ومدروس، وهنا العظمة في خلق الكون، وهذا درس أو إشارة يمكننا من خلالها التعرف إلى مدى أهمية الالتزام وكيف يعود علينا بفوائد مهمة تجعل حياتنا أسهل وأسلس وأكثر توازناً. نحن نعيش الآن في زمن بات الالتزام فيه مهماً جداً وفقاً لقوانين منظمة لتعاملاتنا الحياتية ولمبادئ باتت مطلوبة لنكون ناجحين، ولأننا في عصر السرعة بات الالتزام بمجاراة هذه السرعة أمراً حتمياً وواجباً، فلا يمكن أن يكون لك مشروع ناجح وأنت تتأخر في توصيل الطلبات والخدمات، ولا يمكن أن تكون طالباً أو محامياً أو مدرساً أو طياراً أو رائد فضاءٍ أو حتى محاسباً دون أن تلتزم بقواعد العمل في كل مجال، وهكذا كل شيء حولنا يدعونا إلى الالتزام، فهل وصلتك عزيزي القارئ رسالة الله -سبحانه وتعالى- أم مازال في الموضوع نظر؟!، أتمنى أن تجيبوا أنفسكم، هل أنتم ملتزمون بحياتكم؟ أم أنتم من جماعة خمس دقائق وأكون عندك؟ • ولأننا في عصر السرعة بات الالتزام بمجاراة هذه السرعة أمراً حتمياً وواجباً.